قسنطينة

فقدت عاصمة الشرق قسنطينة أحد الفنانين الذي قدم الكثير للفن، فبعد 15 يوما عن رحيل أحد أعمدة المالوف الشيخ قدور الدرسوني، ها هي الساحة الفنية القسنطينية المعروفة بفنانيها من رواد الفن الرابع، تفقد أحد أهم رموزه برحيل الفنان عبد الحميد حباطي بعد عطاء فاق نصف قرن من الزمن بداية بتأسيسه المسرح سنوات الستينيات، الفنان الذي أقعده المرض في السنتين الأخيرتين وأثقل ساقيه عن اعتلاء خشبة المسرح التي تمرد على ركحها منذ 1962، ووري الثرى ظهر الخميس بمقبرة زواغي وسط جو مهيب، حيث لم تمنع الظروف الصحية التي نعيشها والحجر الصحي بسبب جائحة فيروس كورونا، محبي الفنان وأصدقاءه من إلقاء النظرة الأخيرة عليه وتوديعه، خاصة أنه كان بمثابة الأب الروحي لأغلب الفنانين، الذين أجمعوا على أن لكل فن أبا يغرس الأخلاق في جيل معيّن.

عبد الحميد حباطي الذي رحل عن عمر يناهز 75 سنة بعد صراع مع المرض، من مواليد 03 جوان 1945 بقسنطينة، درس في مدارس المدينة، وبها بدأ ممارسة المسرح، وعُرف على الساحة الفنية مباشرة بعد الاستقلال سنة 1962، فكان أول ظهور له مع حسان لفقون في مسرحية "خطأ شباب"، ثم "الزواج لمحاتم" مع يوسف عاشا. وفي سنة 1964 اختير من طرف مصطفى كاتب ومحيي الدين باشطارزي للالتحاق بالمعهد الوطني للفنون الدرامية ببرج الكيفان، حيث تابع تكوينا تلاه تربص تكويني بفرنسا وتحديدا بمونبوليي، أشرف عليه الأستاذ جاك لوكوك. وبعد عودته إلى الجزائر في نفس السنة، التحق بالمسرح الوطني الجزائري كممثل محترف، وكان أول ظهور له بعد الاحتراف بمسرحية "السلطان الحاير" و"ما ينفع غير الصح" 1965. أما سنة 1966 فكُلف من طرف مصطفى كاتب ليعود إلى قسنطينة ويتولى التنشيط والتكوين بالمسرح الجهوي، وشارك فيه بالاختبار الذي كان ملحقا بالمسرح الوطني يومها، وكان محظوظا وفاز في الانتقاء، ليلتحق بمدرسة برج الكيفان لدراسة المسرح والتكوين، حيث تلقّى تكوينا على يد مسرحيين كبار من العرب والغربيين وكذلك أساتذة مشهود لهم في الساحة المسرحية؛ إذ كانت المدرسة في تلك السنوات حريصة على توفير الأساتذة والتعاقد مع الكبار منهم، لتلقين طلبتها أصول الفن المسرحي.

 

الفنان المسرحي عبد الحميد حباطي كان إلى جانب أسماء أخرى من الدفعة الثانية التي تتخرج من المدرسة بعد تكوين أكاديمي، حيث عمل في المسرح الوطني لفترة قصيرة، وشارك في بعض المسرحيات، ليعود إلى قسنطينة ويكون أحد المؤسسين للمركز الثقافي الجهوي "كراك "، حيث شارك إلى جانب الشريف جيلالي وسليم مرابعي وعلاوة وهبي، ومنح كل ما تلقّنه وحصل عليه من تقنيات الأداء والإخراج، لعناصر الفرقة، كما كان أحد الأعضاء المؤسسين للمركز الجهوي للعمل الثقافي رفقة كل من سليم مرابية وجيلاني الشريف وعبد القادر ملول، ومثل وأخرج مسرحية "الحياة والشباب" التي نالت الجائزة الأولى للشباب، و"مدرسة الكذابين" التي تحصلت على الجائزة الأولى لأحسن إخراج، وكذا مسرحية "ذات يوم الزنوج" التي نالت الجائزة الأولى لأحسن إخراج بمستغانم، فضلا عن مسرحية "شرارة في القصر" التي نالت هي الأخرى جائزة أحسن عرض بمستغانم... وبعد لا مركزية المسارح سنة 1974 انضم الفنان مجددا إلى المسرح الجهوي بقسنطينة، فألف واقتبس وأخرج ومثل في العديد من المسرحيات، وكانت له المشاركة في عدد كبير من الأعمال المسرحية، على غرار التمثيل بمسرحية "هدا يجيب هذا" سنة 1976، وإخراج وتمثيل مسرحية "الي يموت ما يفوت" سنة 1977، وإخراج مسرحية "القانون والناس" عام 1978، والتمثيل في مسرحية "ناس الحومة" 1980، وإخراج وتمثيل مسرحية "لا حال يدوم" 1983، وإخراج مسرحية "ديوان لعجب" 1996، والتمثيل في مسرحية "السيد الوزير" عام 1997 ومسرحية "البوغي" عام 2003. كما ذاع صيته فكان له المزيد من النجاحات وتهاطلت علية العروض السنيمائية والتلفزيونية على حد سواء، وله عدة أعمال فيها على غرار فيلم "الطاحونة" للمخرج أحمد راشدي، وكذا فيلم "دورية نحو الشرق" للمخرج عمار العسكري، و"فيلم الكندي" للمخرج عامر بهلول، ومسلسل "كلام وأحلام" للمخرج حسين ناصيف، ومسلسل "السرعة الرابعة" للمخرج حسن ناصف، ومسلسل "أشواك المدينة" للمخرج علي عيساوي، وغيرها من الأعمال.

رفقاء درب الفنان يعزّون أنفسهم

الفنان أحمد حمامص: "المعلم" سخّر حياته للإبداع

قال الفنان أحمد حمامص إن الساحة القسنطينية والجزائرية فقدت واحدا من عمالقة المسرح والسينما والتلفزيون، فـ "المعلم"، كما يطلق عليه الفنانون، سخر حياته للإبداع، كما أنه كان معلما للأجيال بامتياز، ولم يبخل على محيطه بتسخير خبرته ومعرفته بخبايا الفن الرابع، فهو من العظماء الذين جسدوا في أعمالهم الفنية المسرحية وحتى التلفزيونية، صورا لآمال وأحزان وأفراح الشعب، وهي كلها الأدوار التي جعلته طيلة 50 سنة من العطاء، مطلوبا ومحبوبا. كما قال حمامص إن صديقه ومعلمه كان له الفضل الكبير في تلقينه وتعليمه كغيره من أبناء جيله، الذين وضعهم على الطريق الفني الصحيح بفضل نصائحه وتوجيهاته، مؤكدا أن الجمهور سيتذكره في كل أعماله، وآخرها فيلم "البوغي" الذي جمعهما.

الفنان المسرحي كريم بودشيش:  قامة الفن الرابع

بتأثر كبير لعدم قدرته على المشاركة في تشييع جثمان معلمه وأستاذه بسبب وجوده خارج الولاية، قال بودشيش إن المرحوم الحاج حباطي ليس قامة من قامات الفن الرابع فقط، بل هو أب روحي لكل الفنانين؛ إذ كان الأستاذ والمعلم بدون مقابل؛ من أجل هدف واحد هو النهوض بهذا الفن والفنانين وتعليمهم أصول فن المسرح، مشيرا إلى فضله الكبير في تعليمه وتلقينه والوقوف إلى جانبه؛ إذ كان سببا في نجاح العديد من الأعمال المسرحية التي جمعته والمرحوم، والتي نالت جوائر وتركت بصمتها، مضيفا أن بدايات المرحوم حباطي التي كانت في مسرح الهواة بفرقة الأمل المسرحي عام 1963 بعد تأميم المسارح وإنشاء المسرح الوطني بإدارة الراحل مصطفى كاتب وإنشاء مدرسة برج الكيفان للفنون الدرامية، سمحت له بأن يكون من أول المؤطرين لمسرح قسنطينة، مضيفا أن آخر عمل جمعه وعمي حميد هو إخراجه لسلسلة "حدائق الياسمين" التي مثل فيها المرحوم الدور الرئيس.

الفنان عنتر هلال: علَّم أجيالا أبجديات الفن

بنبرة حزينة على فقدان صديق وأخ، قال الفنان عنتر هلال الشهير بعيسى سطوري، إن قسنطينة خاصة والجزائر عامة فقدت أحد أكبر وأهم أعمدة الفن بها، فالمرحوم الذي كانت بداياته في مسرح الهواة وكان من أول المؤطرين لمسرح قسنطينة، أعطى الكثير له، وعلّم أبجديات وأصول الفن أجيالا من الفنانين الذين تعلموا على يده، مضيفا أن الفنان كان متواضعا جدا ولم يبخل يوما على أحد، غير أن مرضه وقف حائلا أمام المزيد من العطاء.

الفنان المسرحي كريم بوديسة: الداعم الدائم للشباب

من جهته، قال المسرحي كريم بوديسة إن الصدمة كبيرة في فقدان عمدة الفن الرابع، الذي يكنّ له كل الحب والاحترام كغيره من أبناء جيله، خاصة أن المرحوم كان من المنادين الأوائل بإعطاء الشعلة للفنانين الشباب والجيل الصاعد، فلم ينكر الفنان الشاب وقوف المرحوم إلى جانبه، ولا أحد ينكر أنه كان من أكبر المسرحيين على المستوى الوطني الذين ذاع صيتهم في هذا الفن الأصيل، كما كان بمثابة الأب والمعلم الذي يوجه تلاميذه ويلقنهم أدوات المسرح، حيث أضاف أنهم كجيل جديد استفادوا كثيرا من معلوماته وخبرته الكبيرة في المجال الفني. كما أنه قدّم الكثير من العون لجمعية البليري للآداب والفنون، التي تخرّج منها عشرات الفنانين، ونالت المئات من الجوائز نظير أعمالهم الفنية المسرحية.

قد يهمك ايضا :

والي قسنطينة يفرض ارتداء الكمامات في المصالح والمحال التجارية

"مركز بيوتكنولوجيا" في قسنطينة يؤكّد أنّ البحث العلمي حليف للقضاء على "كوفيد-19"