تونس ـ أزهار الجربوعي
أكدت المخرجة السينمائية التونسي، والنائب في المجلس التأسيسي، سلمى بكار في مقابلة مع "العرب اليوم" أن الحريات الفردية في تونس بعد الثورة أصبحت مهددة بشكل غير مسبوق، ولم تشهد مثيله منذ الاستقلال، وبخاصة على صعيد حرية المرأة، والحق في التعبير، وهو ما دفع بها لاقتحام عالم السياسة، وخوض الانتخابات البرلمانية، سعيًا إلى تغيير هذا الواقع، والمحاربة من أجل تونس جديدة، تضمن جميع الحقوق والحريات لأفراد شعبها ومواطنيها على قدم المساواة، وأكدت أن الفنان التونسي لا يحتاج رقابة خارجية لأنه غير قاصر، وقادر على إدراك ضوابطه واحترام أخلاقياته المهنية، محذرة من الانزلاق إلى التطرف والعنف، الذي يشكل أكبر خطر على التجربة الديمقراطية التونسية الناشئة في الوقت الراهن. وقالت النائب في البرلمان التونسي والمخرجة سلمى بكار إن الدافع الذي جعلها تقتحها عالم السياسة وتخوض انتخابات المجلس التأسيسي التونسي عن قائمة حزب المسار الديمقراطي، هو خوفها على وضع الحريات الفردية في البلاد، والتي باتت مهددة بشكل كبير، وبخاصة حرية المرأة والحق في التعبير والإبداع، حيث يبدو ذلك جليًا حتى من النقاشات التي تبثها القنوات التليفزيونية التي تحمل تلويحًا ضمنيًا بالعنف، والتحريض على هتك الحريات الشخصية وللرأي المخالف. وعن الواقعة التي جعلتها تفكر في اقتحام عالم السياسة أشارت سلمى بكار أنها كانت بصدد الإعداد لخيمة ثقافية في مخيم اللاجئين في الشوشة عقب اندلاع القتال في ليبيا، وبعد شهر واحد من خلع الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، وأضافت "لقد فوجئت بجماعة من المتشددين دينيًا الذين طلبوا مني إلغاء فكرة الخيمة الثقافية لأن اللاجئين لا يحتاجون إلا الأكل والصلاة فقط". وأكدت بكار أنها حاربت من أجل استكمال مشروعها الثقافي والفني الذي لقي ترحيبًا كبيرًا من قبل اللاجئين، حيث بادروا بأنفسهم في تأثيث فقراته، كنوع من التعبير والتنفيس عن الوضع القاتم الذي مروا به. وبشأن المظاهر التي دفعتها لاتخاذ هذا الموقف أكدت النائب في البرلمان التونسي أن كثرة الأحداث التي عرفتها تونس بعد الثورة جعلت جميع المثقفين يشعرون بالخطر والتهديد على وجودهم وأعمالهم وإبداعاتهم، وذلك على غرار الحملة التي تم شنها على قناة نسمة التليفزيونية بسبب فيلم قيل إنه مسيء للذات الإلهية، رغم أنه كان يبث لأسابيع في قاعات العرض ودور السينما دون رقيب أو حسيب، فضلاً عن أحداث قصر العبدلية في المرسى، التي اتهم فيها فنانون بالتطاول على الدين الإسلامي، كل ذلك أسهم في تشكيل هذا التخوف والترقب لما سيكون عليه وضع الثقافة والإبداع في تونس الجديدة. ورغم إقرارها بأن للفن ضوابط وأخلاقيات معينة إلا أن المخرجة السينمائية سلمى بكار رفضت تقييد الفن بأجهزة رقابة تابعة للدولة، مشددة على أن أهل الفن والفكر ليسوا قصرًا، وهم قادرون بالتأكيد على احترام اخلاقيات مهنتهم، والتصدي لكل ما من شأنه الإساءة إليها، ولا يحتاجون إلى تدخل خارجي أيًا كان نوعه، وتساءلت "هل سنقبل مثلاً ببث عرض يدعم الصهيونية أو يسيء إلى القضية الفلسطينية؟ بالتأكيد لا، لأن خبرتنا وكفاءتنا المهنية وأخلاقياتنا جعلتنا ندرك جيدًا المسموح من الممنوع، كما أن قواعد التليفزيون تختلف جذريًا عن السينما، وهذا لن يفهمه إلا أهل الاختصاص. وحتى زمن الاستبداد والدكتاتورية كنا ندرك ماذا نفعل، وتمكنا من تمرير رسائل مشفرة، وفضح الواقع السياسي، رغم القيود المفروضة آنذاك. وعن الإضافة التي اكتسبتها من عضويتها في المجلس التأسيسي التونسي، أعلى سلطة تشريعية وقانونية في البلاد منتخبة من الشعب التونسي، رأت سلمى بكار أنها اكتسبت خبرة أكبر جعلتها تفهم قواعد اللعبة السياسية من الداخل، لكنها ظلت دائمًا تقرأ الأحداث والمشهد السياسي بعين المبدع والفنان الذي يلاحظ بعمق، ويفكر ويحلل، ومن ثمة يقترح الحلول البديلة، أو يستشرف المستقبل. وأضافت بكار أنها تأمل أن يتخلى ساسة البلاد عن أنانيتهم وانتمائهم الحزبي، ويضعوا نصب أعينهم مصلحة تونس، التي لا تملك موارد ومصادر ثروة كبيرة سوى طاقاتها البشرية، وشعبها الذي يمثل عنصر قوتها، داعية إلى عدم التفريط في هذا المكسب البشري بجميع مقوماته ومكتنزاته. وأكدت البرلمانية التونسية سلمى بكار أن هوية المواطن التونسي هي تونس بالدرجة الأولى، والتي تنطوي بالضرورة على عروبته وإسلامه وثقافته، وهذا التنوع يجب أن يكون مصدرًا لتوازن المجتمع وثرائه، وليس دافعًا للصراع والتقاتل ونبذ الآخر، مشددة على أن التطرف هو أكبر خطر يهدد تونس في المرحلة الحالية. وفي معرض حديثها عن الشأن الثقافي التونسي، أشارت المخرجة سلمى بكار إلى أنه لم يشهد ثورة كبرى بعد، لأن المسألة تحتاج وقتًا أطول حتى تكتمل الصورة، وأن المبدع في حاجة إلى مسافة بينه وبين الحدث حتى يستطيع أن يتناوله ويبلور موقفه ووجهة نظر دقيقة منه، وأضافت أن المواطن والفنان التونسي ما زال يعيش في خضم الثورة وقلبها، وما زال يعاصر أحداثها الغامضة في مجملها، وهو ما يجعله في حاجة إلى وقت أكبر حتى تتوضح له الرؤية، ويتمكن من استخلاص الواقع وتجسيده. وبشأن الانتقادات الموجهة للدورة الأخيرة لمهرجان قرطاج السينمائي، اعتبرت النائب التونسية سلمى بكار أنها في غير محلها، مشيرة إلى أن انعقاد الدورة التي كان سيتم الغاؤها في آخر لحظة، وعلى الرغم من الوضع الإقتصادي والأمني الذي مرت به تونس، يعد مكسبًا كبيرًا في حد ذاته. وأكدت أن مشاركتها في الحياة السياسية جعلها تتحلى بنظرة تسامح تجاه الدورة الحالية، موضحة أن "هذه ليست المرة الأولى التي نرى فيها أخطاء، وربما أفظع، لكن يجب أن نملك القدرة على تقديم النقد البناء والغفران لبعضنا، فجميعنا ساسة ومواطنين ومثقفين نحتاج وقتًا أطول لنتدرب على الحرية والديمقراطية، وهذا ليس بالأمر الهين. وبينت سلمى بكار أنها أعجبت كثيرًا بالأفلام الإيرانية، إلى جانب عروض السينما الجزائرية والمغربية، مشيدة في الوقت ذاته بالأفلام الوثائقية التي تناولت الثورة التونسية، رغم ضيق الوقت والحيز الزمني القصير، الذي فصلها عن 14 كانون الثاني/ يناير 2011. وختمت السينمائية والبرلمانية سلمى بكار بالقول "إن السينما التونسية لا ينقصها للوصول إلى العالمية إلا الإمكانات المادية، مشددة على أن السينما سوق وصناعة تحتكرها لوبيات ورؤوس أموال ضخمة خاصة الغربية منها، التي تفرض قيودًا وشروطًا مجحفة على المنافسة.