عمان ـ أسامة الرنتيسي
أكد الأمين العام لـ"الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين" نايف حواتمة، في حوار خاص لـ"العرب اليوم"، أن إقامته ما بين عمّان والقاهرة هي على طريق العودة إلى فلسطين، مشيرًا إلى أن طرح فكرة الكونفدرالية وأي شكلٍ من أشكال العلاقة الأردنية ـ الفلسطينية بعد وصول فلسطين إلى دولة مراقب في الأمم المتحدة، وهي مُضرة الآن للأردن وفلسطين معًا، لأنها ستشكل غطاءً للاحتلال الصهيوني، ومداورة على القرار الأممي نحو فلسطين المستقلة، وبعد الاستقلال الناجز سنقرر مع شعبنا العلاقة مع الأردن". وفي ما يلي نص حوار حواتمة مع "العرب اليوم": * متى نراك في رام الله، وما هي الخطوات على طريق ذلك؟ - بذلنا جهودًا كبيرة للعودة في التسعينات، وفي أكثر من محاولة شاركت بها دول كبرى، دولة الاحتلال الصهيوني أقامت جدار برلين لمنع حقنا المطلق بالعودة، وإن إقامتي على طريق العودة، هي في أكثر من عاصمة من العواصم العربية، وبخاصة بين عمّان والقاهرة، وإن لفلسطين غوايتها وولعها، ولحقوق شعبها التزام، فهي الأجمل والأرحب والأصعب، ورغم أن للتاريخ تشعباته، فإنني على يقين بأن أرض الإرث الكنعاني المفعم بالحيوية ستجد خلاصها من ربقة الاحتلال، فالأمكنة فينا ونحن بها، وكذلك؛ فإن مدينة "السلام والمحبة"، هي الوحي الكنعاني القادم والعائد، نعم إن مكان الانسان وطنه، ومرارةُ الروح أَلا يعود إلى وطنه، الوطن هو المكان الذي يشعر به أنه يحيا ويعمل ويفكر بحرية وبالرغم من الاحتلال، وقضية فلسطين المعاصرة هي حياتنا النضالية، وقلمي وكتبي ومكتبتي، وهي الإجابة على الاسئلة الكبرى، إلى أي درجة بلغت مرارة الروح والمعاناة، فاللاجئ المقتلع يتأنسن بوجود واستمرار واستعادة خلق فلسطين، أليست هذه حالة رسولية معذبة لكل أبناء وقادة شعبنا والشعوب العربية من الفراق، وبالفقر وذل الفاقة، الحالة الرسولية لشظف العيش، ولا يمكنني نزع هذه الأوزار عن صدري والتيار الوطني الديمقراطي العريض وقضايا الثورة والمقاومة الوطنية، أحملها معي، وأكتبها بماء الورد على ورقٍ زيتوني أخضر أؤطره.. وألواحها الكنعانية في أناشيد المحبة المنفتحة على العالم وعلى الكفاءات والعقول والقيّم الانسانية. * دخل المشروع الوطني الفلسطيني مرحلة جديدة مع وصول فلسطين دولة مراقب في الأمم المتحدة، كيف سيترجم الفلسطينيون المرحلة المقبلة بعد هذا التطور؟ - بالنظر إلى استخلاصات الخبرة التاريخية ومنذ جذور القضية الفلسطينية؛ فإن قرار الجمعية العمومية، قرار دولة فلسطين 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2012 هو انتصار سياسي تاريخي واقعي ومن دون تضخيم، ويدرج في معارك النصر الكبرى، بشهادات محللين إسرائيليين، وبمعطيات ردود الفعل الإسرائيلي الرسمية، وبخاصةً وأن الضغوط الصهيوأميركية كانت على مستوى العالم، ومعها توابع و نصائح عربية، ومارست واشنطن أعتى ضغوطها السياسية وتهديداتها، كما مارستها إسرائيل ميدانيًا وعبر وسائلها المختلفة، ولكن الإرادة الفلسطينية تستحق الاحترام، حينما تحسم موضوعة الأرض الفلسطينية والحقوق الفلسطينية، في مشهد "فلسطين الدولة" و"إسرائيل الاحتلال المعزول"، ومن كيان فلسطيني ما إلى دولة، ومن أراضٍ محتلة إلى وطن محتل ودولة تحت الاحتلال، ودولة تحتل دولة أخرى وفق مرجعيات قرارات الشرعية الدولية، أي الانتقال من مفاوضات ثنائية "برعاية أميركية منحازة لدولة الاحتلال والكيل بمكيالين"، إلى دولة يعترف العالم بها وبالقرار الأممي الكبير، وبأن أراضيها محتلة وليست أرضًا متنازع عليها، وتحمل رقمًا في سلسلة الدول المنضوية تحت راية الأمم المتحدة، تحاصر دولة الاحتلال وتعزل الكيان الصهيوني من خلال نتائج تصويت الأمم المتحدة، فلقد أقرّ العالم من خلال القرار 491، مؤكدًا على أن هذه الأراضي لما قبل عام 1967 هي أراضي الدولة الفلسطينية. وقد سارعت إسرائيل بعد هذا القرار بساعات قليلة من عزلها دوليًا ومن ضم فلسطين إلى الأسرة الدولية، إلى إجراءات عقابية متوقعة حين أعلنت المباشرة ببناء ثلاثة آلاف وحدة سكنية بين مدينتيّ رام الله والقدس، وإعلانها إلى المزيد من البناء الاستيطاني وصلت الأرقام إلى عشرة آلاف وحدة سكنية، فانتصر العالم كله سياسيًا وقانونيًا وأخلاقيًا ضد التوسع الاحتلالي، فبناء (3000) وحدة سكنية في المنطقة التي يسمونها (إي 1)، بهدف تقطيع الضفة الفلسطينية بين شمال وجنوب، هو إحياء لخطتها القديمة التي وضعت في العام 1999، وسبق أن جمدتها بانتظار ظروف مؤاتية لها، وهي جزء من مخططات "الأسرلة" التي تهدف إلى الاستيلاء على كل القدس العربية والضفة الفلسطينية المحتلة. لقد ثارت عاصفة عالمية منددة بالقرار، بدءًا من رأس المنظمة الدولية بان كي مون، الذي صرح بأن "النشاط الاستيطاني غير قانوني" من وجهة نظر الشرعية الدولية، "وسيكون تنفيذ المشروع بمرتبة ضربة قاضية للفرض المتبقية لحل الدولتين"، مضيفًا "يجب إلغاء هذه الخطة حمايةً لفرص تحقيق السلام"، لذلك وعليه مواقف بعض الدول القطبية في الغرب الأوروبي، التي تحرص على حماية إسرائيل من نفسها، بما في ذلك إنذاراتها بأن وضعها يتدهور باتجاه "عزلة دولية خطيرة"، وفي السياق ذاته استياء وزيرة الخارجية كلينتون ولهجتها الغاضبة والمخاوف من تبعات السلوك الاستيطاني الذي يصرُّ عليها الصهاينة المتطرفون، ونحن نقرأ جيدًا الظروف العالمية المتغيرة والمتطورة، حيث لم تعد الولايات المتحدة بقادرة على تحديد مصائر الشعوب، كما لم تعد إسرائيل تستطيع الاعتماد على فلسفتها الردعية وقوة نيرانها العدوانية الدامية والقيام بسيطرتها للخروج من المأزق، والهروب من تسوية متوازنة للصراع في هذه المرحلة، ومن دون تعريض الكيان الصهيوني إلى ما لا تحمد عقباه في أجيج المنطقة، هكذا؛ فالوضع العالمي الراهن ومنه الشعوب الأوروبية قاطبةً لم تعد تسمح بحماقات صهيونية متطرفة جديدة. فلسطينيًا، أقول لكم إن مخططات الاستيطان وتهويد القدس، هو خطير جدًا، وبالنسبة لنا فإن مجمل أراضي الرابع من حزيران/يونيو 1967 هي خط أحمر، وأن توجه منظمة التحرير إلى مجلس الأمن، هو من لزوميات الإجراء، ونحن ندرك تمامًا أن مجلس الأمن موصد بالفيتو الأميركي، فهي له بالمرصاد، وأي كلام أميركي مثل "الإجراءات الأحادية لا تخدم عملية السلام"، هي لا تعني شيئًا سوى لذرّ الرماد في العيون، فهذا لا يوقف المشروع الصهيوني الاستيطاني والتهويدي، وبخاصةً هذا الذي يفصل شمال الضفة عن جنوبها، وعزل مدينة القدس الشرقية عن عمقها الجغرافي الفلسطيني، ويحاصرها بالمستعمرات من كل الجهات، ويقوم بقضمها من داخلها، وتسألني كيف سنترجم المرحلة المقبلة؟ أقول أولاً بالاعتماد على الذات ومعنا الشرعية الدولية وشعوب العالم، ولهذا مستحقات تبدأ باستعادة الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام فورًا على أساس من الديمقراطية الحقة وقانون التمثيل النسبي الكامل، والانتقال بالحالة الفلسطينية برمتها إلى الإعداد للانتفاضة الثالثة، وثانيًا الدخول بعضوية محكمة الجنايات الدولية ومعاهدة جنيف الرابعة لردع ووقف البناء الاستيطاني الاستعماري، وثالثًا تزخيم حالة المقاومة بشتى الأشكال، والانتقال إلى اقتصاد الصمود للحالة الشعبية بإصلاح وتصحيح السياسة الاقتصادية ـ الاجتماعية في الضفة والقطاع، ثم نتوجه للعرب، نحو خطة عربية ينخرطون بها، واستخدام وسائل الضغط السياسي والاقتصادي لحمل أي دولة تضع مصالح إسرائيل أولاً، بالتخلي عن ذلك، فمصالح الغرب مع العرب هي الأكبر والأكثر والأوسع، وأن هناك حقوقًا عربية وفلسطينية ينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار أولاً. * هل صحيح أن القيادة الفلسطينية شرعت في الحديث عن كونفدرالية مع الأردن، وما رأيكم فيها؟ - المطلوب الآن إستراتيجية فلسطينية موحدة، فمن الخطأ الحديث عن كونفدرالية قبل الخلاص من الاحتلال، وقيام الدولة الفلسطينية المحتلة، ومن خلال لقاءاتي مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، رأينا أنه لابد لنا من موقعنا كدولة تحت الاحتلال بعد الاعتراف الأممي بفلسطين أن نطارد الاحتلال والدخول في اتفاق جنيف ومحكمة الجنايات الدولية وكل المؤسسات الأممية، ولابد من إستراتيجية للمقاومة من خلال برنامج وحدة وطنية؛ برنامج يضم الجميع، وبهذا ومن اجل تجسيد وحدة شعبنا لابد من إنهاء الانقسام المدمر والعبثي، وتحويل هذا الاعتراف الى حقيقة واقعية تمنع اسرائيل من أي محاولات لتغيير واقع ارض الدولة التي باتت تحت احتلال ظالم وليست اراضٍ متنازع عليها، وبهذا نستعيد المرجعية الدولية ونغادر المرجعية الأميركية المتسلطة والخلاص من دائرة مفاوضات ورعاية عبثية، وعبر إستراتيجية فلسطينية موحدة تنظم العمل بمقاومة شعبية وسياسية، ونشن معاركنا السياسية وأشكال المقاومة الشعبية للمطالبة بكل حقوقنا الوطنية وأساسا طرد الاحتلال والدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وحق العودة طبقًا للقرار ١٩٤، إلى جانب ذلك نناضل سياسيًا وعبر المحافل الدولية لمنع اسرائيل من التحكم بأموال الضرائب وعلى قاعدة إيلاء الاهتمام للاوضاع المعيشية للناس ومطاردة الفساد والاسراع بالمصالحة وإنهاء الانقسام، وإننا نولي أهمية خاصة لأحقية محاكمة الاحتلال على إجراءاته الأحادية الجانب، وفي مقدمتها الاستيطان والجدار العازل وتجميد أموال الضرائب المستحقة للسلطة الفلسطينية بموجب اتفاق باريس الاقتصادي (1994) والتي تصل إلى 470 مليون دولار، كما ندعو إلى وقف الالتزامات المترتبة على الجانب الفلسطيني بموجب اتفاقي أوسلو (1993) وبخاصة وقف التنسيق الأمني مع دولة الاحتلال، وتجاوز باريس الاقتصادي، واعتماد خطوات اقتصادية واجتماعية لإلغاء التبعية الاقتصادية للاحتلال وتعزيز الصمود والمقاومة ضده، وضرورة سحب اليد العاملة في بناء المستوطنات بالضفة الغربية المحتلة، وخفض الضرائب عن السلع الوطنية لهدف خفض أسعارها وتشجيع الإنتاج والاستثمار، وفي هذا السياق نشير إلى أن متوسط دخل المواطن الفلسطيني العربي في فلسطين المحتلة العام 1948 يقدر بنحو 9 آلاف دولار في السنة، مقابل 2000 دولار في الضفة الغربية و1200 دولار في قطاع غزة، بينما يصل إلى 36 ألف دولار للإسرائيلي اليهودي، كما إن علينا قراءة معطيات الواقع بـ "ذهاب 60% من موازنة السلطة للأجهزة الأمنية بينما يخصص 40% منها فقط للشعب الفلسطيني بمختلف المجالات الاقتصادية والصحية والتعليمية والاجتماعية، وعليه نؤكد أهمية احترام إرادة الشعب ومغادرة البرامج الفئوية وسياسة الهيمنة الاحتكارية لمؤسسات السلطة في رام الله وغزة، وبخاصة الهيمنة المسلحة بالقوة والتوظيفات والمال، وفي اتجاه وحدة الجميع ضد الاحتلال، وينبغي علينا الإدراك بأن عدم القيام بالإصلاح وتصويب الخطوات السياسية الاقتصادية ومعالجتها سيقود إلى مزيد من الإضرابات والاحتجاجات، والانتفاضة أيضًا، في ظل وضع سياسي واقتصادي مأزوم. كما أننا نرى بأن طرح الكونفدرالية وأي شكلٍ من أشكال العلاقة الأردنية ـ الفلسطينية بعد (29/11/2012)، ظهرت هذه الدعوات الكونفدرالية، وهي مُضرة الآن للأردن وفلسطين معًا، لأنها ستشكل غطاءً للاحتلال الصهيوني، ومداورة على القرار الأممي (491) نحو فلسطين المستقلة، وبعد الاستقلال الناجز سنقرر مع شعبنا العلاقة مع الأردن، بعد استعادة الشعب الفلسطيني لكامل حقوق الوطنية، علينا التمسك بالقرار الأممي ومواصلة دعم التأييد له دوليًا، ولا نزال في بداية هذا الدرب. * إلى أين تتجه الأمور في الأوضاع السورية؟ - سبق وأكدنا مرارًا حرصنا على سورية الشقيقة، لكننا اليوم نرى أن الحالة السورية الراهنة لا يمكن إنهائها إلا بآليات جديدة وديمقراطية، والخطوة الأولى وقف الحلول العسكرية والأمنية وكل أشكال العنف، وثانيًا أن يكون الحل سوريًا سوريًا وبأيدي سورية، فبعد تعريب الأزمة وتعليق عضوية سورية في الجامعة العربية، وانتقال الحراك الشعبي السلمي إلى العسكرة، وتدهور الوضع من سيئ إلى أسوأ، دمار وموت، خراب ودماء، لنتساءل بمرارة ما الذي انجزته الحلول العسكرية والأمنية سوى المزيد من التعقيدات، والعنف الدموي فالحلول العسكرية التي مورست ولا تزال لا تستطيع أن تقدم حلولاً ناجعة سياسية واقتصادية واجتماعية، والمطلوب اليوم هو الوقف الفوري للحلول العسكرية والأمنية وكل اشكال العنف الدموي أولاً، وثانيًا الحوار، وفق آليات مؤتمر جنيف، وبخاصة أن الهدف هو إخراج الحالة القائمة من عنق الزجاجة، فالحل العسكري لن يفضي إلى حل، وعسكرة الحراك الشعبي والتدخل الخارجي لن تستطيع أن تحسم المعركة وسوى المزيد من الدماء، هذا بقدر ما ينبغي التوجه إلى حوار بعالج كافة الملفات، انطلاقًا من الحرص على سورية ودورها الوطني والقومي والإقليمي واستقلالها ووحدتها، بمرحلة انتقالية وحكومة ائتلافية وشراكة وطنية شاملة، وتحت سقف التوافق الوطني الشامل لانتخابات ديمقراطية ودستور ديمقراطي جديد، المساواة في المواطنة من دون تمييز في العرق والجنس والدين والطائفة والمذهب، وبين الرجل والمرأة.