بغداد ـ نهال قباني
يتطلَّع سكان قرية العوجة، مسقط رأس الرئيس الراحل صدام حسين، إلى العودة لمنازلهم بعد مرور 5 أعوام من النزوح الاضطراري الذي فرض عليهم بعد احتلال "داعش" محافظة صلاح الدين في يونيو/ حزيران 2014.
وتشير المعطيات الواردة عن القرية التي تسكنها عشيرة البوناصر التي ينتمي إليها، فرع البيجات، أبناء عمومة صدام حسين، إلى أن اتفاقا تم بين السلطات المحلية في صلاح الدين وقيادات «الحشد الشعبي» المتمركزة هناك يقضي بالسماح بعودة الأهالي تدريجيا بعد إصلاح بناها التحتية.
وتقع العوجة على الضفة الغربية لنهر دجلة في محافظة صلاح الدين، وتقع نحو 13 كيلومترا جنوب مدينة تكريت مركز المحافظة.
وأكد رئيس مجلس محافظة صلاح الدين أحمد الكريم، في تصريحات له، أن «الظروف باتت مهيأة لإعادة النازحين في عموم مناطق صلاح الدين إلى مناطق سكناهم بالتعاون مع قوات (الحشد الشعبي)»، وأضاف الكريم أن «جميع الإجراءات الخاصة بعودة نازحي قرية العوجة جنوب تكريت ستكتمل خلال الأيام المقبلة».
ولم يكن ليخطر على بال أحد، قبل عام 2003، أن يأتي اليوم الذي يتعرض سكان العوجة، القرية الصغيرة والأكثر نفوذاً من بين مدن وقرى العراق، إلى ما تعرضوا له بعد ذلك التأريخ من شتات وتراجع في النفوذ ونزوح وقلة حيلة. وبعد أن بقوا سنوات بعد 2003 متوجسين وخائفين مما قد يلحقهم من أذى على يد قوى السلطة الصاعدة الجديد، باتوا رسمياً بعد صعود «داعش»، نازحين خارج ديارهم وموزعين على مدن إقليم كردستان.
وباستثناء صدام حسين وأبناء عمومته من المراتب العليا في الدولة الذين حوكموا وأعدموا بعد 2003، لثبوت تورطهم في جرائم الإبادة وغيرها، ليس من الواضح عدد المتورطين، من غير المراتب العليا في الدولة، في دماء الناس من أهالي العوجة، سواء عهد نفوذهم الطاغي قبل 2003، أو حتى بعد صعود الجماعات المسلحة المرتبطة بتنظيمي «القاعدة» أولاً و«داعش» لاحقاً، إلا أن المؤكد أن عدداً غير قليل منهم اليوم يعاني المخاوف وضنك العيش بعيداً عن دياره، ذلك أن الكثير من القوى الشيعية، سواء على مستوى فصائل «الحشد الشعبي» أو الحكومة، أو حتى على المستوى الشعبي، تنظر إليهم بنوع من الارتياب وعدم التعاطف وتحملهم مسؤولية الكوارث التي حدثت في عهد الرئيس الراحل صدام حسين، باعتبارهم عشيرته وأبناء عمومته.
وتعليقاً على اتفاق عودة البو ناصر إلى مساكنهم في العوجة، يقول فلاح الندا، نجل شيخ عشيرة البو ناصر، أن «الأمر غير واضح حتى الآن، نعم سمعنا أن القيادي في (الحشد) أبو مهدي المهندس سمح بعودة أهالي العوجة، لكننا حتى الآن نجهل الآلية والطريقة، وما هو مطلوب من الأهالي بشكل محدد، وماذا سيحدث بعد ذلك».
ويبيّن الندا، الذي يقيم في إقليم كردستان مع أسرته منذ سنوات، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن «قائد العمليات أبلغهم بأمر العودة، لكن حدث أن عناصر مركز الشرطة المقرر افتتاحه في العوجة عادوا بخفي حنين بعد أن أبلغتهم قوات (الحشد) بعدم وصول كتب رسمية تؤكد مباشرتهم عملهم الجديد، كذلك قوبل عمال الجهد البلدي بالحجة نفسها، ولم يسمح لهم بمباشرة أعمالهم».
ويشير الندا إلى أنه «يتفهم ربما مسألة الإجراءات التي تسبق عودة الأهالي، لأن الوحدات العسكرية بحاجة إلى وقت لنقل معداتها وإخلاء المنطقة، لكننا نأمل أن تكون إجراءات العودة هذه المرة جادة، لأننا نسمع بذلك منذ سنوات، ولم يتحقق شيء على الأرض». ويضيف: «كانت الناس تعتقد قبل 2003 أنشوارع العوجة معبدة بالمرمر الخالص، فوجدوا بعد ذلك أنها قرية عادية، فيها بضع قصور بجانب الكثير من المنازل العادية التي دمرت معظمها المعارك ضد (داعش)».
وتسلمت عشيرة البو ناصر وشيوخها جثمان الرئيس صدام حسين بعد إعدامه من قبل الحكومة العراقية في عهد رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي في 30 سبتمبر/ أيلول عام 2006، ونقلته في طائرة مروحية أميركية من بغداد إلى تكريت، حيث دفن في قرية العوجة، وبعد عام 2014 فجرت جماعة مسلحة يعتقد أنها تابعة لـ«الحشد الشعبي» القبر.
ويؤكد المتحدث باسم عشائر صلاح الدين، مروان الجبارة، أن «من المفترض أن تقوم شرطة صلاح الدين، الثلاثاء المقبل، بتسلم قاطع منطقة العوجة من قوات (الحشد الشعبي) المتمركزة هناك». ويضيف الجبارة في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن «سيطرة (الحشد) الأمنية عند مدخل المدينة رفعت، وحل محلها مركز للشرطة المحلية، ويفترض إنشاء مركز للشرطة خاص بالمدينة وتنسيب ضباط وجنود إليه». ويشير إلى «أن أهالي العوجة ذاقوا الأمرّين بعد 2003، ونزحوا عن ديارهم بعد 2014، وعدد غير قليل منهم لا يملك قوت يومه، لذلك نحن سعداء بعودتهم، وكانت لنا مناشدات كثيرة للحكومة والجهات المسؤولة بشأن عودتهم».
ويرى الجبارة أن «عودة أهالي العوجة ستكون إحدى ملامح إعادة اللحمة الوطنية والمصالحة وطي صفحة الماضي، نحن ندافع عن حق الأهالي العاديين، من غير المتورطين بجرائم، ونطالب بعودتهم إلى بيوتهم، ولا ندافع عن أولئك الذين أجرموا وتلطخت أيديهم بدماء الأبرياء».
وقد يهمك ايضا:
اختراق في الطب الشرعي "يحل" قضية تحديد الاختلافات بين التوائم المتماثلة
"جيهان" الأيزيدية تروي أهوال الاغتصاب والزواج القسري مع "داعش"
أرسل تعليقك