ويواصل د. محمد عبده أبوالعلا فى رسالته التى بعثها لى حول أخطاء فى منهج تدريس الفلسفة فى المرحلة الثانوية قائلاً: «إن التعريفات الثلاثة التى وضعها المؤلف للعلم فى صفحة 46 ما هى فى حقيقة الأمر سوى تعريف واحد يمكن صياغته كما يلى: «العلم هو دراسة الظواهر الطبيعية عن طريق المنهج التجريبى بهدف التوصل إلى القوانين التى تفسر لنا هذه الظواهر مما يساعدنا فى السيطرة عليها والتحكم فيها». وبذلك لا توجد تعريفات متعددة للعلم، ولكن هناك تعريف واحد على خلاف الفلسفة التى تتسم بالذاتية. فالعلم لا يمكن بأى حال من الأحوال أن نقول إن له أكثر من تعريف، فهذا يتعارض مع الموضوعية التى تمثل أهم سمات العلم. فتعريف العلم واحد، ومنهجه واحد، وموضوعه واحد، والهدف منه شىء واحد هو التوصل إلى قوانين تفسر لنا الطبيعة بهدف السيطرة عليها والتحكم فيها. من الغريب جداً أيضاً هنا أنه حتى فى التعريف الثانى (تعريف العلم من حيث المنهج)، والتعريف الثالث (تعريف العلم من حيث نتائجه التطبيقية) بنفس الصفحة (ص 46)، نجده يضع تعريفين يفتقدان أهم شروط التعريف المنطقى، ذلك الشرط الذى يتمثل فى أن يكون التعريف أوضح من المعرَّف. فهو فى تعريفه للعلم من حيث المنهج يقول: «العلم هو الطريقة التى أنتج وينتج بها رجال العلم تلك القوانين والنظريات العلمية»، إنه هنا لم يذكر ما هو ذلك المنهج أو تلك الطريقة، وبالتالى فكأنه لم يقل شيئاً. كذلك فى تعريفه للعلم من حيث النتائج نجده يقول إن العلم: «مجموع تطبيقاته التى ننعم بها فى حياتنا الآن من أجهزة علمية (شبكة الاتصالات والمواصلات، أجهزة منزلية... إلخ)، فالعلم هنا هو نتائجه». إنه فى هذا التعريف لم يشر بأى إشارة إلى القانون الذى يمثل النتيجة النهائية من البحث العلمى. فهذا التعريف لا ينطبق على تعريف العلم أو العلوم الطبيعية، ولكنه ينطبق حرفياً على تعريف التكنولوجيا، عندما نريد أن نميز بينها وبين النظريات والقوانين العلمية. ثالثاً- فى صفحة 13 عندما يقارن المؤلف بين الأسلوب الفلسفى والأسلوب الإبداعى يجعل الجدة والأصالة صفتين من صفات الأسلوب الإبداعى، وكأن الأسلوب الفلسفى لا يتصف بهاتين الصفتين. كذلك يقول عن الأسلوب الإبداعى إنه «عادة ما يغير فى مبادئ موجودة ومقبولة»، وهذا تعبير غير دقيق أيضاً، لأن التغيير لا يكون إلا فى ضوء ما تنادى به هذه المبادئ وليس للرغبة فى التغيير فى ذاتها. فالمؤلف يجعل أصحاب الأسلوب الفلسفى يغيرون أو لا يغيرون، أما أصحاب الأسلوب الإبداعى فعادة ما يميلون لتغيير المبادئ، وكأن التغيير فى المبادئ محكوم برغبة صاحب هذا الأسلوب أو ذاك، فى حين أن ما تنادى به المبادئ هو الفيصل فى هذا الأمر. فـ«الانتهازية» مبدأ، و«الجرأة فى الحق» مبدأ، ولكن الأول يستوجب التغيير، والثانى لا يمكن تصور أحد ينادى بتغييره سواء كان مبدعاً أو فيلسوفاً. فالتغيير ليس هدفاً فى حد ذاته، وإنما التغيير يجب أن يكون للأفضل. عموماً، فإن مجرد التمييز بين الأسلوب الفلسفى أو حتى الأسلوب العلمى من ناحية، والأسلوب الإبداعى من ناحية أخرى هو مغالطة واضحة؛ لأن الإبداع يجب أن يكون جزءاً لا يتجزأ من التفكيرين الفلسفى والعلمى. فأهم ما يميز مشاهير الفلسفة والعلم هو الجدة والأصالة فى نظرياتهم الفلسفية والعلمية، تلك السمة الرئيسية للتفكير الإبداعى (سواء فلسفى أو علمى). كذلك يقول المؤلف عن الأسلوب الإبداعى إنه «لا يتحدد بالقواعد المنطقية»، وهذا تعبير فيه مغالطة واضحة أيضاً؛ لأن أهم ما يميز الأسلوب الخرافى هو أنه لا يتحدد بالقواعد المنطقية، ولذلك نصفه بأنه خرافى أو ساذج. فنحن نُعلّم الطلبة أن للمعرفة معيارين: إما قواعد منطقية أو أدلة علمية تخضع للقياس والتجريب. فكيف نقول إذن أن الأسلوب الإبداعى لا يتحدد بالقواعد المنطقية؟! فهذه مغالطة واضحة. فبدلاً من ذلك كان من الممكن أن يقول المؤلف: إن الأسلوب الإبداعى لا يتحدد بالعرف والعادات والتقاليد البالية. فهذا هو الصحيح. فالقول بأن المبدع لا يلتزم بالقواعد المنطقية أمر فى غاية الخطورة». انتهت الرسالة وننتظر رداً من مؤلف الكتاب أو من وزارة التربية والتعليم.