السلطات الروسية

كثفت السلطات الروسية أخيرًا من عمليات التوقيف بحق أشخاص بتهم تتراوح بين "الخيانة العظمى" و"التجسس" لصالح جهة أجنبية.

وتترافق الحملات الأمنية مع ترويج واسع في وسائل الإعلام ضد "الطابور الخامس" الذي يسهل على "الأعداء" مهمة النيل من عزة الوطن، خلافاً لمنهج "المواطن الصالح" الذي يدافع عن بلاده أثناء الأزمات، ويكون مطيعًا للسلطة ومقتنعًا بأن كل ما تفعله يصب في صالح الوطن.

وطالت الحملة على "الجواسيس"، شرائح مختلفة، من ربة منزل في قرية نائية، احتجت على إرسال الجيش لمحاربة الأشقاء في أوكرانيا، إلى علماء في قطاع الطاقة النووية أو صناعات الفضاء تحولوا فجأةً، إلى منشقين عن الخط الوطني وباتوا يستحقون السجن.

وأعلن قبل أيام، عن توقيف العالم في أبحاث الفضاء فلاديمير لابيغين، (74 عام) بعدما تدرج صاعدًا السلم العلمي والوظيفي حتى غدا رئيس مركز الأبحاث التابع لمعهد صناعات الآليات، وهو المركز الذي يعد "العقل المفكر" لمؤسسة "روس كوسموس" المسؤولة عن صناعات الفضاء في روسيا، إضافةً إلى نشاطه الأكاديمي بصفته أستاذًا في عدد من الجامعات الروسية.

ونقلت وكالة "انترفاكس" عن مصدر في الاستخبارات الخارجية، أن التهمة الموجهة له، تسريب معلومات تضر بالأمن الوطني إلى خارج البلاد، وبسبب وضعه الصحي وسنه قررت المحكمة الإبقاء عليه تحت الإقامة الجبرية في منزله لحين صدور قرار بحقه.

وكشفت وسائل إعلام روسية قبل أيام من نشر الخبر عن توقيف ثلاثة أشخاص بتهم مماثلة، بينهم عالم في الفيزياء، ولم تعد الصحافة الروسية تحصي قضايا "التجسس" الصناعي أو العلمي، فهي كثيرة، لكن الأنظار تتركز على القضايا التي توضع على مغلفها عبارة "سري للغاية"، وتكون مرتبطة بجهاز الأمن الفيدرالي.
وأُعلن في موسكو خلال العام الماضي وحده، عن توقيف 15 "جاسوسًا" من هذا الطراز، ويبدو ارتباط هذا النشاط في الأزمة الروسية مع الغرب جليًا، ففي العام الذي سبقه أوقفت موسكو ثلاثة "جواسيس" فقط.

وحقق العام 2015  نقلة في "حمى الجاسوسية" وتحقق الأجهزة حاليًا مع عشرات الأشخاص، بينهم سبعة علماء تم احتجازهم على ذمة التحقيق بتهمة "الخيانة العظمى" واثنان بتهمة "التجسس".

وبين الموقوفين حالياً، العالم في المركز النووي الفيدرالي فلاديمير فولوبيف الذي اعتقل أخيرًا، بسبب مشاركته بمداخلة علمية في مؤتمر نظم في تشيخيا عام 2013، ولم تنجح تأكيدات العالم الذي خدم في المركز منذ العام 1975 بأن مداخلته لم تتضمن أسرارًا وأن جزءًا كبيرًا منها نشر في مجلات علمية روسية سابقًا، فتم طرده من وظيفته وترحيله إلى السجن.

واتهمت سفيتلانا دافيدوفا وهي ربة منزل لديها سبعة أطفال، بـ"الخيانة العظمى" وبسبب تحفظها على سياسة بلادها في أوكرانيا أجرت اتصالًا هاتفيًا مع السفارة الأوكرانية حذرت فيه من أن روسيا أرسلت قوات عسكرية إلى البلد الجار، فتم اعتقالها فورًا، وبعد أسابيع قررت المحكمة براءتها بسبب عدم وجود عنصر جريمة، وأمرت النيابة العامة بتقديم اعتذار علني للسيدة.

وحذر حقوقيون من موجة الملاحقات الأمنية، وقال رئيس مركز "أغوارا" الحقوقي بافل تشيكوف من أن أجهزة الاستخبارات تستخدم في شكل مسرف تعديلًا على قانون سار منذ العهد السوفيتي يمنحها صلاحيات واسعة جدًا لملاحقة ومعاقبة من يشتبه بأنه قدم معلومات أو مشورة لجهة أجنبية، ويرى أن صياغة القانون الفضفاضة تجعله سلاحًا سيئًا في يد الأجهزة الخاصة.

ويؤكد برلمانيون روس أن تنشيط الملاحقات سببه زيادة نشاط الأجهزة الغربية في روسيا أخيرًا، وليس الرغبة في التضييق على المواطن، لكن مدافعين عن حقوق الإنسان يحذرون من العودة إلى العهد السوفيتي وأن كل مواطن "خائن" حتى يثبت العكس.