اختتم منتدى التباين الثقافي بين الأجيال فعالياته والذي نظمته إدارة شرطة الأحداث بوزارة الداخلية بالتعاون مع المركز الثقافي للطفولة . وأوصى المنتدى بضرورة العمل لتجديد منظومة التشريعات الوطنية بما ينسجم واستيعاب حالة التباين بين الأجيال وفق المتغيرات الحاصلة في المجتمع، وإجراء التنسيق والتعاون فيما بين المؤسسات المدنية المختلفة في فهم الوعي العميق لحركة الحياة وتحليل معطيات الظاهرة وجوهرها وانعكاساتها على الفرد والمجتمع، مع أهمية التأكيد على دور المؤسسات المدنية ومنظمات المجتمع المدني في العمل على تقليل التباين والفجوة بين الأجيال . كما أوصى المنتدى الذي عقد برعاية سعادة الشيخ عبد الله بن ناصر بن خليفة آل ثاني وزير الدولة للشئون الداخلية على مدى يومين بفندق كراون بلازا خلال الفترة من 4 - 5 مارس الجاري، أوصى الجهات المعنية بالدولة بالعمل على إنشاء عيادة استشارية أبوية لمناقشة وحل المشكلات الحاصلة بين الآباء والأبناء على أن تكون تحت مظلة وزارة الداخلية ، وإنتاج وتنفيذ العديد من البرامج التلفزيونية الحوارية مع فئة الشباب لمناقشة المشكلات التي يعانونها . وأكد المنتدى على أهمية أن تتولى وزارة الداخلية وبالتعاون والتنسيق مع الجهات ذات العلاقة عقد وتنظيم الدورات التدريبية للعاملين مع فئة الأطفال من أجل صقل مهاراتهم وتنمية قدراتهم في التعامل مع المشكلات الوالدية الناشئة عن التباين بين الأجيال . وطالب المنتدى جيل الآباء بضرورة مواكبة كافة المتغيرات الحاصلة والاستفادة منها كوسيلة للتواصل والتقارب مع الأبناء ، وتضمين المناهج التعليمية والتربوية معاني ومفاهيم الرعاية والحب للوالدين ، مع الحفاظ  على أواصر النظام الأسري وأن يكون الوالدان قدوة حسنة للأبناء في تعاملهما فيما بينهما أو مع الآخرين وعدم إظهار خلافاتهما الحادة أمام الأبناء وحل مشكلات الأبناء بالحوار والمناقشة ، والعمل على تعريف الأبناء والوالدين من خلال  البرامج التثقيفية والتوعوية بكيفية إعادة صياغة وإنتاج المعتقدات والمواقف والقيم في ضوء المتغيرات الحديثة في المجتمع . وأوصى المشاركون في المنتدى بضرورة تفعيل القيم الإسلامية التي تحث على بر الوالدين والمسؤولية الأبوية ، وتفعيل دور الأسرة للقيام بدورها في التنشئة السليمة وتنمية  الوعي لدى الأطفال ولاسيما الوعي الديني ، مع توفير البيئة المدرسية المناسبة لتطوير الشخصية وإشباع الحاجات لتطوير الفكر والإبداع . وكانت فعاليات المنتدى في يومه الأخير قد ناقشت محورين على جلستى عمل حيث ناقشت الجلسة الأولى التي ترأسها الدكتور توفيق سكر محور إشكالية تباين الأجيال في ظل عصر العولمة الفكرية والثقافية . وفي كلمته عن الأمن الاجتماعي في سياق التباين الثقافي للأجيال، أوضح الدكتور عبد الناصر صالح اليافعي الأستاذ بقسم العلوم الاجتماعية بكلية الآداب جامعة قطر، أن هناك مسلمة أساسية لابد من الانطلاق منها، وهي أنه لا يمكن بأي حال الوصول إلى الأمن الاجتماعي في المجتمع القطري إلا من خلال فهم العلاقة بين الأمن الاجتماعي والأمن الشرطي، ولا يكون هذا إلا في سياق التباين الثقافي بين الأجيال في البيئة القطرية . وأضاف أن هناك مجموعة من القضايا الاجتماعية، ترتبط بالأمن الاجتماعي، وتمثل عقبات وتحديات وعائقا في سبيل تحقيق الأمن الاجتماعي المنشود، ومن أبرز هذه القضايا مكافحة الجريمة الإلكترونية، ومنح شهادة حسن سير وسلوك لمن أنهوا عقوبة السجن، وإلحاق الحدث بدار إيواء، ومكافحة المخدرات، والسلامة المرورية، والشرطة الاجتماعية، والعمالة المنزلية . وأشار إلى أهمية إنشاء لجنة عليا على مستوى الدولة، تكون معنية بالقضايا الاجتماعية المرتبطة بالأمن الاجتماعي، وهدفها الرئيسي هو بحث ودراسة الجوانب الأمنية والقانونية والاجتماعية والنفسية والدينية وتأثيرها على تحقيق الأمن الاجتماعي، الذي يتوافق مع الأجيال ومع مكونات المجتمع القطري، على أن تمثل فيها الجهات المعنية بالأمر ، مثل وزارة الداخلية وجامعة قطر ووزارة العدل والنيابة العامة ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية، بالإضافة لعدد آخر من الوزارات والهيئات ذات الصلة . من جهتها، تحدثت الدكتورة بتول خليفة أستاذ الصحة النفسية المشارك بكلية التربية جامعة قطر عن محددات الفجوة بين جيلي الآباء والأبناء في المجتمع القطري وقالت إن الفجوة بين الأجيال تشير إلى التناقض الرئيسي في التنشئة الاجتماعية للأبناء وخاصة في سن مبكرة، كما تشير إلى الخلاف والاختلاف في بعض المسائل المتعلقة بتنمية قدراتهم وكفاءاتهم في جمع مناحي الحياة الاجتماعية والنفسية، وخاصة في مجالات ينميه القيم والتواصل. وأوضحت من خلال دراستها لأسباب الفجوة بين الأجيال، ومدى مسئولية الآباء والأمهات في الحد من هذه الفجوة، أن من أهم هذه الأسباب هو التباين في الاتجاهات نحو التفكير المحافظ التقليدي، ونظام القيم التقليدية، ووسائل الإعلام والكمبيوتر، والمواقف الاجتماعية المختلفة،  والتسلط والشدة وعدم التفهم من خلال الأساليب الاستبدادية . وعن الإجراءات القانونية المترتبة على التباين بين الثقافات، قالت الأستاذة مريم المالكي، رئيس نيابة الأحداث والأسرة في ورقة العمل التي قدمتها أمام المنتدى إنه لا توجد إجراءات قانونية تترتب على التباين الثقافي بين الأجيال، لأن هذا التباين موجود منذ الأزل، ولا يشكل جريمة يعاقب عليها القانون، ولكن إذا نتجت عن هذا التباين بين الآباء والأبناء مشكلة، ولم تستطع الأسرة حلها وانتقلت المشكلة إلى السلطات، وجب أن تتخذ الإجراءات القانونية حتى لا تستفحل المشكلة ويصعب حلها . وعولت على دور الأسرة وأهميته في تربية الأبناء ..مؤكدة على حقيقة مهمة وهي أن الزمن يتغير بسرعة في ظل التكنولوجيا، التي تأتي كل يوم بجديد، وفي ظل وجود عدد من الجنسيات المختلفة، الذين يحملون أفكارا ومعتقدات وديانات وعادات وتقاليد مختلفة، يشاركون أبناء الوطن في المدارس والجامعات والنوادي.. ومن ثم لا بد لنا أن نحاور ونقنع أبناءنا بما هو جائز ليأخذوه، وما يتعين عليهم أن يتركوه.. ومن ثم فلا بد من وجود جسور للتواصل بين الآباء والأبناء، من أجل الحوار واختيار الأنسب والأصلح . وجاءت ورقة العمل الرابعة بعنوان المفهوم القانوني للتبادل الثقافي بين الأجيال وأثاره والذي أشار فيها الأستاذ ياسين المشهدانى الخبير بإدارة شرطة الأحداث إلى أهم المشكلات التي تواجه العالم البشرى وهى حالة التصادم الذي تعيشه المجتمعات في كيانها نتيجة للتناقضات والتباينات في المصالح والأفكار والثقافات والتي تضعها أمام الأزمات التي تعصف بها، مشيرا إلى أن جميع الآثار التي قد تحث نتيجة للتباين الحاصل بين الأجيال في المجتمع قد تكون ضمن الإطار القانوني الذي وضع لتنظيم السلوك الاجتماعي . أما جلسة العمل الثانية والتي ناقشت محور دور المؤسسات المدنية والأمنية في خلق التقارب بين الأجيال والتي ترأسها النقيب محمد مبارك آل شافي من إدارة شرطة الأحداث ، حيث جاءت ورقة العمل الأولى بعنوان تكامل الأدوار بين المؤسسات المدنية والأمنية في رعاية القيم بالمجتمع وعلاقة ذلك بتواصل الأجيال . وألقى ورقة العمل الثانية الدكتور صلاح المناعي من المؤسسة القطرية لحماية الطفل والمرأة والتي جاءت بعنوان دور المؤسسات الأمنية في خلق التقارب بين الأجيال والذي حظر فيها الآباء من ترك أبنائهم دون توجيه أو إرشاد أو غرس المثل والقيم الأخلاقية لديهم لان ذلك يؤدي إلى انحرافهم وضياعهم ، وحث الآباء على أهمية فهم دورهم الأساسي كمؤسسة لان التقصير في أداء هذا الدور قد يؤدي إلى مشكلات نفسية وعاطفية ومدرسية لجيل المستقبل . وطالب المؤسسات المدنية والأمنية القيام بدورها للإسهام بصورة فعالة في وضع حلول وادوار متعددة في تحقيق المتطلبات اللازمة لتحقيق الأمن بالمجتمع لدى الأجيال من خلال ما تقدمه من شراكة مجتمعية تسهم في تحقيق الأهداف المنشودة في ظل المتغيرات العالمية المعاصرة . وعلى هامش المنتدى عقدت ورشتا عمل للطلاب جاءت الأولى بعنوان ( أبى أمي ممكن نتحاور ) وألقتها الدكتورة عائشة بنت سليمان آل ثاني الأستاذة بقسم التربية جامعة قطر والتي هدفت إلى تعريف الطلاب بمفهوم الحوار الأسرى وأهميته موضحه أن الحوار هو عملية تبادل للأفكار بين أفراد الأسرة مع تواجد أحاديث متبادلة بين أفراد الأسرة ، وان هذا الحوار يؤدي إلى تعزيز أواصل الحب والتواصل بين أفراد الأسرة باعتبار أن الحوار هو وسيلة فعالة للاتصال الأسري . وجاءت الورشة الثانية بعنوان الخطوات الست لبناء الثقة والشخصيات الناجحة ألقاها الدكتور حمود فهد القشعان أستاذ علم الاجتماع في جامعة الكويت والذي فرق فيها للطلاب بين شخصية الواثق بنفسه في كافة أعمالة والمغرور الذي يريد إثبات أعماله للآخرين فى حين ان الواثق بنفسه يظهر أعماله لنفسه، مشيرا إلى سمات الشخصية المؤثرة التي تعرف ذاتها وتتحكم بمشاعرها وتحسن علاقاتها وتحدد أولوياتها وتنظم أوقاتها وتتميز بالتطور وتنجح في كيانها الأسرى . وقال الدكتور جيلس أم يمت، عالم النفس من جامعة مونتريال، في كلمته عن دور المؤسسات المدنية والأمنية في رعاية القيم بالمجتمع وعلاقة ذلك بتواصل الأجيال، إن من أهم المتغيرات الاجتماعية الحالية، والتي تواجهنا في أمريكا الشمالية، هي تلك المتعلقة بتطور ونمو الأطفال، وتلك التي تتجه نحو تعزيز الصورة المثالية للذات، والتي تتجه نحو البحث عن المجد والسلطة والنجاح والثراء . وأكد جيلس أن ما ترتب على ذلك هو أن أصبحت العلاقات سطحية ونفعية، وترتكز على الذات، وهو ما يسمى بـ "ثقافة النرجسية وحب الذات"، فتم استبدال الفردية بالصالح العام، والرغبات والأمنيات بالتفكير النقدي، وتم اختزال الأنشطة الثقافية في التسوق فقط، وأصبح المراهقون متعلقين بآبائهم عبر الهواتف والرسائل النصية، وفي نفس الوقت ينظر هؤلاء المراهقون للمعلمين كخدم تحت تصرفهم، وتراجعت قيم التسامح والاحترام والتعاطف والاستقرار، ومن ثم نما الفراغ الفكري والعاطفي الذي تنتج عنه مظاهر العنف والعداء والكراهية . وأوضحت النقيب بنا الخليفي من إدارة شرطة الأحداث، أن لكل عصر طريقة تفكيره وقناعاته ومعلوماته المتوافرة التي تميزه عن غيره عبر العصور، ومع تغير أنماط الحياة بشكل دائم  وتبدلها ودخول أفكار جديدة وخروج أخرى تتغير العادات، والتي من بينها الإنترنت، الذي أصبح يسيطر على النمط الحياتي اليومي لهذا الجيل، في الوقت الذي يجهل بعض الآباء، وكل الأجداد كيفية التعامل مع الأجهزة الإلكترونية الحديثة، بينما نجد الأبناء يجيدون التعامل مع هذه الأجهزة بسهولة . ولفتت النقيب بنا إلى غياب ثقافة الحوار الهادئ بين الآباء والأبناء، وهو ما عمل على زيادة الفجوة، في الوقت الذي حذرت فيه الدراسات من هذه المسافة بين الأجيال، وأنها أضحت الشغل الشاغل للعالم أجمع، والتي أصبحت مصطلحا في الأدبيات الاجتماعية تحت عنوان "الفجوة الثقافية".