النيران تحرق قلوب الجزائريين

عاش الجزائريون ليلة سوداء على مواقع التواصل تبعتها مشاهد صادمة وغير مسبوقة لغابات الجزائر وهي تحترق وخسائر الأرواح والمساكن والثروة الطبيعية التي أحرقت قلوب الجزائريين وأسالت الدموع من العيون، خاصة في ظل الأزمة الصحية التي يكابدها المواطنون والتي زادتها الحرائق الملتهبة في 14 ولاية مأساة على مأساة، خاصة بعد انقطاع الكهرباء على كثير من المرضى الذين عاشوا الويلات ناهيك عن هروب المواطنين من منازلهم ومشاهد الدمار التي حولت أجمل المناطق الطبيعية في الجزائر إلى رماد.

صور مرعبة لجبال وغابات تحترق بالكامل
حرائق الجزائر الأكثر تداولا ” فايسبوكيا” محليا وعربيا

خلّفت صور ألسنة النيران الملتهبة بغابات الجزائر، حسرة وصدمة كبيرتين لدى رواد التواصل الاجتماعي، داخل الوطن وخارجه. والكل رفع أكف الدعاء، مبتهلا للمولى عز وجل، لرفع البلاء والوباء وحماية الجزائر من كيد الكائدين، في ظل تأكيد الدرك الوطني ومحافظي الغابات، أن غالبية الحرائق كانت مفتعلة.

وتابع رواد التواصل الاجتماعي ما عاشته الولايات المتضررة جراء اندلاع حرائق متزامنة، امتدت إلى منازل مواطنين آمنين، وتملكتهم الحسرة والألم، لدرجة وصف كثيرون مشاهد ألسنة النيران المتصاعدة بـ”سياسة الأرض المحروقة” التي انتهجها المستعمر الفرنسي أيام الاحتلال، وواصفين الصور المرعبة بأنها جريمة في حق الإنسان والحيوان والطبيعة”.
فكانت صور النيران الأكثر تداولا على مختلف منصات التواصل الاجتماعي ليلة الاثنين والثلاثاء، وفي الجزائر، وفي معظم الدول العربية، وكتب مواطن على فايسبوك بعد نشره صورا لحرائق “هذه قريتي بتيزي وزو، التي تضم 18 ألف نسمة، أحرقت فيها 10 منازل.. العائلات هربت والنيران تحاصرنا من كل جهة “، وطالب رواد التواصل الاجتماعي، تسليط عقوبات صارمة، على المتورطين في جريمة اشعال النيران، واصفين الفعل بأنه “ارهاب حقيقي وخيانة للوطن”، داعين الجميع إلى التبليغ عن أي تصرف مشبوه داخل الغابات.
وشهدت مواقع التواصل حملات تضامن واسعة مع ضحايا الحرائق بين من طالب بالتدخل لإطفاء النيران، ومن المواطنين من اعلنوا فتح بيوتهم للنازحين والهاربين من الحرائق، وسارع آخرون إلى جمع التبرعات لمساعدة المتضررين وفي مقدمتهم المرضى.

النقيب يوسفي: قمنا بدورات لسكان القرى للتعامل مع الحرائق
وفي هذا الصدد، أكد المكلف بالإعلام في المديرية العامة للحماية المدنية، النقيب مراد يوسفي، في تصريح لـ”الشروق”، أن 31 حريقا اندلع الاثنين، موزعين على 14 ولاية.. حيث سجلت تيزي وزو 10 حرائق والثلاثاء فاق عددها الـ15 حريقا، جيجل 4 حرائق، البويرة 2 حريقين، سطيف 3 حرائق، خنشلة وقالمة وبجاية حريقين، برج بوعريرج بومرداس البليدة المدية سكيدة تبسة حريق واحد. وراح ضحيتها 6 مواطنين بينهم شاب وشابة لا يتعدى سنهما 23 سنة.
وأكد محدثنا، بأن المديرية العامة للحماية المدنية، شرعت ومنذ شهر ماي المنصرم، في القيام بعمليات تحسيسية وتوعوية، “حيث توجهنا إلى القرى والمداشر، الواقعة بمحاذاة الغابات، وقمنا معهم بمناورات، كما قدمنا لهم تكوينا حول كيفية التصدي عند بداية حريق وكيفية الإبلاغ، ليسهل لنا التدخل السريع لاحقا”.
ونصح المواطنين القاطنين على مسافة 30 مترا من الغابات، بتنقية المحيط من الأعشاب وبعض الشجيرات الجافة، ومن المخلفات التي قد تساعد في اشتعال النيران، وأيضا وضع صهاريج مياه تكون بعيدة عن متناول الأطفال.
كما شدّد على مرتادي الغابات، بعد غلق الشواطئ بسبب كورونا، بإحضار الأكل جاهزا من المنازل، وتجنب الطبخ وسط الغابات، وعدم الرمي العشوائي للبلاستيك وقارورات الأليمنيوم والزجاج، وكل مادة بإمكانها عكس أشعة الشمس واشعال النيران.
ليختم حديثه، قائلا بأن اندلاع أكثر من 31 حريقا وفي وقت واحد، لا يستبعد فيه العمل الإجرامي، وهو ما ستكشفه الجهات الأمنية بعد التحقيقات.

مقراني: علينا تحيين القوانين للتصدي لمخرّبي الغابات
ومن جهة أخرى، أكد المختص في الشؤون القانونية، محمد مقراني لـ”الشروق”، بأن المشرع الجزائري، كيّف جرائم الحرق جناية، وحدد العقوبة المسلطة على كل من وضع النار عمدا في الغابات، بين 10 و20 سنة سجنا نافذا.
وقد تصل العقوبة لكل من يقوم بفعل متعمد سواء فردا كان أو جماعة، الى السجن المؤبد وحتى الإعدام، كون القصد الجنائي في الفعل يكون ثابتا اذا ما طال الحرق أملاك الدولة. باعتبار أن المساس بالثروة الغابية، يدخل ضمن نطاق أملاك الدولة التي لا تقل أهمية عن الثروات الباطنية التي يزخر بها وطننا .
واعتبر محدثنا، أن هذه الحرائق لا تضر بالغابات فقط، وإنما تهدد سكينة وأمن المواطنين، الذين أصيبوا بحالة هلع كبيرة جراء هذه الأفعال التخريبية، وقال “يجب تحيين كل القوانين الخاصة بنظام الغابات، والتي أكل عليها الدهر وشرب، وأصبحت لا تتماشى مع الواقع المعاش”.
وحسبه، التبليغ عن هذه الجريمة “هي مسؤولية كل المواطنين، لتحريك الدعوى العمومية، باعتبار أن المصالح الأمنية والجهات الوصية، لا يمكنها تغطية كل الثروة الغابية الشاسعة التي تزخر بها الجزائر”.

زادت من معاناة مرضى كورونا وأهاليهم
الحرائق تقطع الكهرباء وتسبب ضيق تنفس حاد للمرضى
بن اشنهو: أعراض استنشاق هواء سام تشبه أعراض كورونا

نادية سليماني
اختناقات وصعوبة تنفس، وتعطل أجهزة الأوكسجين والمكيفات، إضافة لوباء كورونا.. يوم عصيب عاشه مرضى الكوفيد 19 بالمستشفيات والمنازل، عقب اندلاع حرائق الاثنين، وخاصة بولاية تيزي وزو، لأنها كانت الأشد والأخطر، فكثيرون تأزمت وضعيتهم الصحية بسبب الدخان وانعدام الهواء النقي وانقطاع الكهرباء.
يؤكد مختصون، بأن استنشاق الدخان الناتج عن حرائق الغابات، يشبه الأعراض المبكرة لفيروس كورونا، ما يجعل الأمر أكثر تعقيدا للأطباء بالمستشفيات، فما بالك بالمصابين بفيروس كورونا ويستنشقون دخان الحرائق في الوقت نفسه؟
وعانى المرضى، وبالخصوص المصابين بالوباء، الويلات جراء الحرائق المندلعة أول أمس، وخاصة بولاية تيزي وزو، والتي كانت الأكثر تضررا. وحسب شهادات سردها مواطنون على منصات التواصل الاجتماعي، فقد وجد كثيرون صعوبة كبيرة في التنفس، والبعض تأزمت وضعيته الصحية.
ويؤكد المختص في الصحة العمومية، فتحي بن أشنهو، لـ”الشروق”، بأن الدخان الناتج عن حرائق الغابات، يمكن أن يضر بالرئتين والأوعية الدموية ويضعف جهاز المناعة، وبالتالي يزيد من خطر الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي مثل كوفيد-19. وأضاف “كما أن هروب المواطنين من النيران، واجتماعهم في مكان آمن واحد، بعدما كانوا آمنين ومتباعدين في منازلهم، يمكن أن يتسبب في عدوى كورونا بينهم أكثر”.
وحسبه، تتشابه أعراض استنشاق دخان حرائق الغابات، مع أعراض عدوى كوفيد-19 المبكرة أو الخفيفة، ومنها التعب وآلام الجسم وضيق التنفس والسعال والتهاب الحلق وسيلان الأنف أو احتقانه.
والخطير، حسب مختصين، فإن حرائق الغابات تتسبب في انتقال وحرق الجسيمات الدقيقة، والتي تبقى كجزيئات دقيقة في الهواء، لفترة أطول من الجزيئات الثقيلة، مما يزيد من خطر استنشاقها، حتى بعد اطفاء الحريق. فتنتقل من خلال الأنف والفم إلى الرئتين ومجرى الدم، وهو ما يؤثر لاحقا على مناعة الشخص، والتي تضعف أثناء مقاومتها لفيروس كورونا.
كما يحتوي دخان حرائق الغابات أيضا، على ملوثات أخرى مثل سيانيد الهيدروجين، وهو غاز عديم اللون يمكن أن يحرم الأعضاء من الأوكسجين الحيوي. وبالتالي يتخوف الخبراء من أن التعرض للهواء الضار الآن يمكن أن يؤدي إلى حالات أكثر خطورة من “كوفيد-19” في الخريف.
كما أن مرضى فيروس كورونا يمكن أن تحدث لهم جلطات دموية وبسهولة أكبر، إذا كانوا يتنفسون في الهواء الخطر.
ومن جهة أخرى، تتسبب حرائق الغابات في انقطاع الكهرباء عن المنازل المحاذية، اثر احتراق الخيوط والكوابل، وهو ما ينجر عنه توقف المكيفات وأجهزة التنفس خاصة للمرضى المتواجدين بالمنازل.

قد يهمك ايضاً

تمثال آيت أحمد في تيزي وزو يتعرض للتخريب من قبل مجهولين في الجزائر

الجيش الجزائري يحبط مخططا إرهابيا لتفجير مركبتين وسط الحراك في ولايتي تيزي وزو وبجاية