تونس ـ أزهار الجربوعي عادت المواجهات من جديد لتطفو على السطح بين كبرى المنظمات العمالية في تونس والحزب الحاكم، وبشكل أكثر حدة هذه المرة، حيث أكد الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي لـ "العرب اليوم" أن الاتحاد سيرد على الاعتداء الذي استهدف مناضليه وجزءًا من مكتبه التنفيذي، مساء الثلاثاء، في مناسبة الاحتفال بذكرى مرور 60 عامًا على اغتيال الزعيم النقابي والوطني فرحات حشاد، محملاً المسؤولية إلى حزب حركة النهضة الحاكم، في الهجوم على مقر الاتحاد، ومتوعدًا بمواجهة مفتوحة بين الطرفين لا مكان فيها لضبط النفس، من جهته، قاطع الأمين العام للاتحاد حسين العباسي الحكومة التونسية، رافضًا الرد على اتصالات رئيسها حمادي الجبالي.
وقد أوضح عضو المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل لـ "العرب اليوم" أن الهيئة التنفيذية والإدارية ستجتمع، مساء الأربعاء، لاتخاذ القرارات المناسبة للرد الذي يليق بمستوى الاستهداف والاعتداء على أعرق المنظمات النقابية في البلاد"، مشددًا على أن الاتحاد لن يسكت هذه المرة، ولن يلتزم بضبط النفس كما كان في السابق، لأن الهجوم كان مباشرًا ومقصودًا"، حسب قوله.
وقد اندلعت مواجهات في ساعة متأخرة من مساء الثلاثاء، أمام مقر الإتحاد العام التونسي للشغل، الذي كان يستعد إلى تنظيم مسيرة ضخمة لإحياء ذكرى استشهاد الزعيم النقابي والوطني فرحات حشاد، الذي اغتالته عصابة اليد الحمراء الفرنسية يوم 5 كانون الأول/ ديسمبر1952. حيث اشتبك عناصر من الاتحاد وآخرون تابعين لرابطة حماية الثورة في المواجهات الدامية، بعد أن تجمهر أنصار رابطة حماية الثورة، متهمين قيادة الاتحاد بالتنكر لإرثها النضالي، وإيواء عدد من "الفاسدين"، رافعين شعارات منادية بالتطهير، وهو ما أدى إلى جرح العشرات من الجانبين، من بينهم قيادات كبرى المنظمات العمالية، على غرار اثنين من أمنائها العامين، هما حفيظ حفيظ وسمير الشفي، بعد مواجهات عنيفة بالهراوات والأسلحة الحادة والسكاكين.
وأشار القيادي في الاتحاد نور الدين الطبوبي في تصريح إلى "العرب اليوم" أن نية القتل كانت موجودة ومبيتة، على حد قوله، لأن الإصابات كانت خطيرة وبآلات حادة، قائلاً "لقد اغتيل الزعيم فرحات حشاد مرة ثانية هذا اليوم".وأضاف "أن الاتحاد لطالما كان سدًا منيعًا محافظًا على أمن البلاد واستقرارها، لكنه لن يسكت على استهدافه بعد اليوم"، مشددًا على أن حركة النهضة لا تؤمن بالديمقراطية، وتعتبر الاتحاد عدوًا لها.
من جانبه، صعد الأمين العام للاتحاد التونسي للشغل حسيـن العباسي من لهجته تجاه الحكومة وحركة النهضة الحاكمة ورابطة حماية الثورة، التي أطلق عليها اسم "خفافيش الظلام"، وأعداء الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، الذين كشروا عن أنيابهم فى يوم الاحتفال بذكرى فرحات حشاد"، متهمًا رابطات حماية الثورة بالمبادرة إلى العنف.
وأضاف حسيـن العباس: الاتحاد سيبقى مدافعًا عن الوضع الاقتصادي والسياسي إذا انحرف "شاء من شاء وأبى من أبى"،  مشددًا على أن باب المواجهة قد بات مفتوحًا، وأن صبر الاتحاد العام التونسي للشغل قد نفذ.
وصعد العباسي من خطابه تجاه الحكومة بالقول "هده النقطة التي أفاضت الكأس، إذا قبلتم بالحوار الجاد والمسؤول فمرحبًا بكم، أما إذا رفضتم ذلك فلتتحملوا مسؤوليتكم".
وعلى الجهة المقابلة، أكدت الرابطة التونسية لحماية الثورة أنها كانت في وقفة احتجاجية ضد الحكومة للمطالبة بالتسريع في محاسبة بقايا النظام السابق، في ساحة القصبة، ومن ثمّ تنقلت إلى مقر الاتحاد العام التونسي للشغل في ساحة محمد علي، للمطالبة بالفصل بين الاتحاد والسياسة، وبتطهير الاتحاد، لكن احتجاجاتهم قوبلت بالرفض والعنف والاعتداءات.
وهددت قيادات رابطة حماية الثورة باللجوء إلى "أساليب ثورية "، لم تفصح عن ماهيتها،إن لم يتم التعجيل بمحاسبة الفاسدين، على حد قولهم.
وقد صرح أحد الشهود العيان إلى "العرب اليوم" أن عناصر تابعة للاتحاد العام التونسي للشغل هي التي بادرت برمي الزجاجات الحارقة والاعتداء بالغاز المشل للحركة والآلات الحادة على المحتجين، الذين رفعوا شعارات مناوئة ومطالبة بتطهير. كما شاهد آخرون عددًا من العصابات المتسلحة بالهراوات الغليظة تتحصن في مقر الاتحاد.
وفي روايتها للأحداث أكدت وزارة الداخلية التونسية أنه تم التنسيق بين وزير الداخلية علي العريض والأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، بشأن الإجراءات التنظيمية لمسيرة الاتحاد في اتجاه ضريح الشهيد فرحات حشاد، في القصبة، يوم الثلاثاء 4 كانون الأول/ ديسمبر 2012.
وتضيف الوزارة أن عددًا من النقابيين قد تجمعوا، مساء الثلاثاء، في ساحة محمد علي في العاصمة في ظروف عادية، في حين تجمهرت مجموعة أخرى من المواطنين غالبها من رابطات حماية الثورة، وهو ما أدخل جوًا من التشنّج والتوتر في المكان، تطوّر لاحقًا إلى مناوشات وتبادل عنف بالحجارة والعصي. وشددت الداخلية التونسية على أن الإطارات الأمنية الموجودة على عين المكان بادرت بالتمركز بين المجموعتين، وبالتحاور معهما لتهدئة الوضع قبل الفصل بينهما بحزام أمني، ودون اللجوء إلى استعمال الغاز المسيل للدموع.
وبمجرّد إعلامه بالحادثة، قام وزير الداخلية علي العريض، الذي كان بصدد إلقاء محاضرة ، بالاتصال بالأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، لمتابعة ما جرى من أحداث في ساحة محمد علي، والتنسيق لإنجاح إحياء هذه الذكرى الوطنية.
كما دفعت الوزارة بتعزيزات إضافية لضبط الأمن، وتمكنت بعد جهد كبير من إبعاد عناصر المجموعة المحتجة على قيادة الاتحاد من طريق المسيرة بعد إقناعهم بضرورة التفرق. لكن قيادات الاتحاد العام التونسي للشغل اتهمت وزارة الداخلية بالتقصير، والوقوف متفرجة على أعمال العنف، وهو ما اعتبرته أجهزة الأمن "حيادًا".
على صعيد آخر، من المنتظر أن يجتمع قادة الاتحاد، مساء الأربعاء، لاتخاذ قرارات "جريئة، وعلى درجة بالغة الخطورة"، وفق ما أكدته مصادر مطلعة لـ "العرب اليوم"، قد تصل إلى إعلان الإضراب العام.
ويذكر أن الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل حسين العباسي قد رفض  مكالمة رئيس الحكومة حمادي الجبالي بعد الاعتداء على مقر الاتحاد في ساحة محمد علي في تونس العاصمة، في حين توجه وزير الشؤون الاجتماعية خليل الزاوية إلى مقر الاتحاد معبرًا عن مساندته الاتحاد.
كما قاطع الاتحاد الموكب الذي نظمته، الأربعاء، الرئاسات التونسية الثلاث لإحياء الذكرى 60 لاغتيال زعيم الوطني والسياسي فرحات حشاد، شارك فيه الرئيس التونسي المنصف المرزوقي ورئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر ورئيس الحكومة حمادي الجبالي، لقراءة الفاتحة على روح حشاد، وإحياء الذكرى الستين لاغتياله.
وشارك في هذا الموكب إضافة إلى الرؤساء الثلاث مفتي الجمهورية ووزير العدل ووزير الدفاع وقائد أركان الجيوش الثلاث الجنرال رشيد عمار.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الاشتباكات قد سبقها في صبيحة اليوم نفسه إمضاء لاتفاقية الزيادة في الأجور في القطاعين العام والخاص بين المنظمة العمالية والحكومة التونسية، وقد رأى محللون في هذا التزامن علاقة "مريبة"، في حين اتهم عدد من أنصار حركة النهضة حزبهم بالرضوخ لإرادة الاتحاد، وسياسة لي الذراع التي ينتهجها، بعد أن قبلوا بالتوقيع على الزيادة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، والتي لا تسمح بالرفع في الأجور.