بغداد ـ ناصر السامرائي يعيش العراق، بعد مرور ما يقرب من عام على رحيل القوات الأميركية، نفس الظروف التي اعتاد عليها من قبل، فالأزمات تهيمن على الساحة على نحو كامل، وفي هذه المرة، ولكن الجديد أن هناك قوات عراقية موالية للحكومة تقف أمام أخرى محلية، تأتمر بأمر الحكومة الإقليمية الكردية في شمال البلاد، وكل طرف ينظر إلى الأخر بتحفز عسكري، فيما يحاول المسؤولون في بغداد الاشتراك مع عدد من الدبلوماسيين الأميركيين التوسط بين الطرفين.
وينهي العراق هذا العام كما بدأه بمواجهة خطيرة تكشف عن مدى التصدع العرقي والطائفي الذي لم تفلح مليارات الدولارات الأميركية وآلاف الأرواح في إصلاح ذات البين، وتسوية هذه الخلافات. حسبما ترى صحيفة" نيويورك تايمز"، الأميركية.
وقد شهد العراق في بداية هذا العام انقسامًا طائفيًا بين الشيعة والسنة ظهر بوضوح عندما أصدرت الحكومة برئاسة نوري المالكي( شيعي)، أمرًا باعتقال نائب الرئيس طارق الهاشمي، (سني) لمحاكمته بتهم إرهابية.
وقال الصحافي في جريدة "المدى" سارمد الطائي:"العراق بدأ العام بأمر اعتقال الهاشمي وينهيه بحشد دباباته على حدود الجبال الكردية". وبعد خروج الأميركان من العراق قام المالكي، بإرسال دبابات لمحاصرة منزل الهاشمي في المنطقة الخضراء في بغداد، ما أضطره إلى الإقامة في الشمال الكردي ثم في تركيا. وخلال تلك الفترة صدر الحكم ضده غيابيا بالإعدام. وها هو الآن يعيش دون خوف في شقة فخمة في اسطنبول في حماية الحرس التركي.
وقال الهاشمي في مقابلة صحافية أجريت معه:" أنا لازلت نائب الرئيس بموجب القانون، ولدي القدر الكافي من الوقت للاهتمام بمستقبل بلدي"، أما الأزمة الأخيرة فهي أزمة "عرقية" بين الأكراد والعرب، ومن المتوقع أن يترتب عليها نتائج أكثر خطورة، لأن الأكراد على عكس العرب السُنة ، يتمتعون بقدر من الحكم الذاتي في شمال البلاد، كما أنهم يتحكمون بقواتهم الأمنية، ويتطلعون منذ أمد بعيد إلى الاستقلال.
وعندما حاول أفراد من الشرطة الفيدرالية في العراق اعتقال رجل من الأكراد خلال الشهر الماضي في مدينة توز خورماتو في المنطقة الشمالية الكردية من البلاد، وقع تبادل لإطلاق النيران بين القوات العراقية التابعة للحكومة وبين أفراد من الأمن الموالين إلى الحكومة الإقليمية الكردية، فيما ينظر المراقبون إلى هذا الواقعة باعتبارها حادثة يمكن أن تنقلب إلى صراع خطير.
وقد أسفرت تلك الحادثة عن مقتل أحد المدنيين، بالإضافة إلى إصابة ما لا يقل عن 8 أفراد آخرين.
وردا على تلك الواقعة بادر رئيس الوزراء العراقي نوري كمال المالكي بإرسال تعزيزات من القوات إلى المنطقة، كما قام مسعود برزاني رئيس الإقليم الكردي الذي يتمتع بحكم شبه ذاتي شمال العراق، بإرسال جنوده المعروفين باسم "البشمركة"، وفي أعقاب ذلك ظل التوتر سائدًا  بين القوتين.
وفي ما يتعلق بمدينة طوز خورماتو، التي شهدت صدامات مسلحة مؤخرًا، فهي تجمع خليطًا من الأعراق، حيث يتنافس التركمان والعرب والأكراد على السلطة هناك. وهي تقع في منطقة قريبة من مدينة كركوك، وهي غنية بثروة نفطية يتركز حولها الصراع الطويل على السلطة بين الأكراد والعرب.
وكان صدام حسين نقل عشرات الآلاف من العرب إلى المنطقة لهدف إضعاف المعقل التاريخي الكردي، إلا أنه وبعد سقوطه طالب الآلاف من الأكراد الذين سبق طردهم من المدينة بحقهم في العودة إلى منازلهم التي طردوا منها، الأمر الذي أسفر عن خلق حالة من التوتر لم تهدأ بعد.
وقد بدأت الأزمة الأخيرة بعد محاولة المالكي تعزيز سيطرته على الأمن في كركوك، حيث تتقاسم القوات التركية والعراقية مسؤولية الأمن فيها، بينما وصلت الأزمة إلى مرحلة حرجة بعد تبادل إطلاق النار الأخير.
ويقول الخبير في الشأن العراقي في "معهد الأزمات الدولية" جوسيت هيلترمان:" إن هذه الواقعة بمثابة خط أحمر عند الأكراد، فالمالكي يسيطر في الأساس على الشرطة، أما الأكراد فإنهم لن يتخلوا عن المدينة"، فيما قام كل من المالكي وبارزاني بإرسال المزيد من القوات إلى المنطقة، بينما يتهم كل طرف الطرف الآخر بأنه "كان البادئ بإرسال قواته أولاً". وقد حذر المالكي الأتراك من خطورة تصرفهم، ومن مغبة ذلك.
وقال المتحدث باسم قوات "البشمركة"، إن "كل شيء محتمل"، بينما يميل بعض العراقيين العرب إلى خوض القتال ضد الأكراد. وقال رئيس "المجلس السياسي العربي" في كركوك الشيخ عبد الرشيد:" نفضل الحل العسكري للصراع، لأنه بدون ذلك فإننا سوف نظل محبطين وبلا سلطة أو نفوذ على الإطلاق"، أما الأكراد فهم ينظرون إلى الصراع في سياق نضالهم التاريخي ضد صدام حسين، ولكنه هذه المرة سيكون ضد المالكي الذي سبب تراكم السلطات في يده في قلق واشنطن. وقال بارزاني في بيان له:" إن الإقليم الكردستاني مستعد للدفاع عن أراضيه ومواطنيه".
وقال المالكي في مؤتمر صحافي نهاية الأسبوع الماضي:"إنه ليس بنضال ضد ديكتاتور، وإنما سوف يكون صراعًا عرقيًا لن يكون في مصلحة الطرفين"، محذرًا من أن "الحرب ليست لعبة وليست نزهة"، بينما أفاد محللون أن "التوتر الحالي يرجع في الأساس إلى المنافسة السياسية بين المالكي وبارزاني، الذي حاول هذا العام تشكيل تحالف برلماني لإسقاط حكومة المالكي"، كما يخطط بارزاني إلى إبرام صفقات نفطية مع عدد من الشركات الدولية مثل "إيكسون"، وهي مخالفة صريحة للقوانين العراقية.