القاهرة ـ أكرم علي أعربت شخصيات ثقافية وأكاديمية بارزة في الشرق الأوسط عن مخاوفها من أن الفنون باتت مهددة بعد الثورات العربية، وذلك بسبب تزايد نزعة العنف والرقابة وافتقاد الرؤية السياسية الواضحة لمستقبل بلدانهم، حيث تقول دراسة أجرتها وحدة "التنمية وإعادة البناء بمرحلة ما بعد الحروب" في جامعة يورك لحساب المجلس الثقافي البريطاني، أن المفهوم الشائع بأن المنطقة تعيش الآن قدرًا من الحرية غير مسبوق، إنما هو مفهوم مخادع ومضلل وينطوي على تبسيط للأمور على غير حقيقتها، لاسيما وأن العديد من الفنانين يعربون عن مخاوفهم المتزايدة من انتشار ظاهرة العنف في البلدان التي شهدت الثورات العربية.
وتوصل التقرير الذي يحمل عنوان "دون مواربة وبلا رتوش" إلى أن نظام الرقابة الحكومية المشددة الذي عانت منه البلاد على مدى عشرات السنين، لايزال موجودًا على نطاق واسع.
ويقول الباحث البارز البروفيسور سلطان بركات، أنه وعلى الرغم من أن الفنانين تشجعوا بالانتفاضات التي شهدتها تلك البلدان في العام 2011، إلا أن الكثيرين منهم يتعاملون مع الواقع السياسي الجديد بكثير من القلق في ظل مؤشرات تدل على وجود موجة من الرقابة الدينية والسياسية.
وفي مصر التي انتهت من المرحلة الثانية من الاستفتاء على الدستور، وفي تونس كذلك، تسود مخاوف من تزايد صعود تيار "الإسلام السياسي"، بداية من الحكومات الإسلامية المعتدلة الجديدة، التي يغلف سياساتها قدر من الغموض، وحتى الجماعات السلفية الشديدة التحفظ، التي عادة ما تهاجم السينما والفنانين.
ويقول بركات "نحن الآن على شفا جرف، لاسيما وأن الأغلبية الإسلامية في مصر يمكن أن تقمع وتطمس حرية التعبير الفني على نحو يفوق ما كان يحدث أيام حسنى مبارك".
أما الكاتب المسرحي المصري أحمد العطار فقد قال أنه يخشى على البلاد من السقوط في هاوية الفاشية، لا سيما وأن الثقافة حتى الآن مطروحة جانبًا في ظل غياب الأجندة الثقافية للإخوان المسلمين في مصر، فهم يتحدثون عن التركيز على الشخصيات التاريخية الإسلامية، كما يقول أنه لا يدري إن كان ذلك يسري أيضًا على السلفيين الذين يرفضون أصلاً أي إشارة إلى الفن في حد ذاته.
ويقول كريم الشناوي المخرج السينمائي الذي تظاهر في ميدان التحرير، أن العديد من الأمور توقفت وخضعت للرقابة، وأن الأمور يمكن أن تزداد سوءًا، فهناك العديد من الأصوات التي تهاجم المخرجين والممثلين، وتتهمهم بحشو عقول وأذهان الجيل الجديد بموضوعات وصور غير لائقة، حتى وصل الأمر بإتهام ممثلة بممارسة "الزنا" على شاشة السينما.
كما جاء في التقرير أيضًا أنه تم تهميش عدد من الشخصيات الثقافية والفنية التي كانت لها مكانتها في المجتمع، بحجة أنهم كانوا قريبين من النظام الديكتاتوري السابق الذي أسقطته الثورة، مثل الممثل الكوميدي المصري عادل إمام، الذي تعرض لانتقادات لأنه تأخر في إعلان انتقاده للرئيس السابق حسني مبارك، وبعد سقوط النظام واجه إتهامًا آخر بإهانة الإسلام في أفلامه.
هذا، ويشير التقرير إلى ظاهرة إيجابية على مستوى الفن، والتي تتمثل في انتشار الرسومات والزخارف الفنية "الغرافتي" على الجدران في كل من مصر وليبيا، وكذلك الفن الرقمي الديجيتال من خلال شبكات التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت.
ويقول بركات أن الجيل الأصغر من الفنانين الذي شارك في الثورة يفتقد إلى الخبرة اللازمة لتطوير رؤى ثقافية وفنية، ويحذر من أن خطورة هؤلاء تكمن في أنهم لا يملكون رؤية واضحة، ولهذا السبب فإنهم يمكن أن يكونوا بمثابة قوة تقود الأغلبية إلى مغامرات غير محسوبة النتائج. وضرب على ذلك مثال المدونة المصرية علياء ماجدة المهدي، التي قامت بوضع صور لنفسها وهي عارية تمامًا على شبكة الإنترنت، في محاولة منها للتعبير عن تحرر المرأة وتمكينها من أمورها، بعيدًا عن سيطرة غيرها عليها، الأمر الذي أعطى فرصة للـ"إسلاميين" لدعم مطالبهم بإضفاء مزيد من الطابع الديني على المجتمع، حيث كان لهذا الموقف تأثيره الشديد على "الإسلاميين"، الذين باتوا أكثر شكًا وريبة. وقال أيضًا أن الكثير من الاضطرابات كان يمكن تجنبها بكثير من اللباقة واللياقة.
أما الكاتبة أهداف سويف التي وثقت الثورة في كتاب بعنوان "القاهرة : مدينتي وثورتنا"، تقول أنها تعارض الاشتباك مع حكومة الرئيس المصري  محمد مرسي حول مستقبل الفنون في ظل الاحتجاجات على محاولة الرئيس منح نفسه مزيد من الصلاحيات، وقالت أيضًا أن الاشتباك مع الحكومة الحالية في الوقت الراهن وعلى هذا النحو أمر يجانبه الصواب، لأنها بصورة أو بأخرى تمثل حكومة "الثورة"، كما حذرت من أي تدخل أجنبي في هذا السياق وتقول أن المنظمات الخارجية يجب أن يقتصر دورها على الاستجابة إلى طلبات من شأنها أن تساعد في تجنب الوقوع في فخ قضايا وأمور مثل "الاستعمار".
هذا، وقد صرح مدير الفنون بالمجلس الثقافي البريطاني غراهام شيفيلد الذي عقد مؤتمرًا للنظر في كيفية دعم قطاع الفنون في الشرق الأوسط قائلاً "المستقبل قد يتطلب التحاور مع أفراد يحملون قيم مغايرة تمامًا"، كما أضاف "لا ينبغي فقط النقاش والتحاور مع أفراد نعتقد أنهم يشاركونا وجهات نظرنا، أي مع النخبة الثقافية، إنما ينبغي علينا أن نجلس ونتحاور مع عناصر من الأنظمة "المحافظة"، على أساس أن الشواهد تشير إلى أنهم من سيديرون البلاد".