تونس ـ أزهار الجربوعي   كشف مصدر مسؤول في الرئاسة التونسية، الإثنين، عن أن ، ويأتي ذلك بعد الخطاب الناري للرئيس الذي انتقد فيه أداء حكومة الترويكا التي يسيطر عليها الإسلاميون في التعاطي مع المشاكل الاجتماعية العاجلة والتلكؤ في القضاء على الفساد، مقترحًا تشكيل حكومة كفاءات مصغرة بعيدة عن المحاصصة الحزبية، وهو ما أغضب حركة "النهضة" صاحبة الغالبية في البرلمان، حيث أكد وزير الصحة عبد اللطيف المكي أنه سيتم مراجعة جميع الحقائب بما في ذلك منصب الرئاسة.
وأكد القيادي في حزب "المؤتمر" ومدير ديوان رئيس الجمهورية عماد الدايمي، أن "المرزوقي قد يستقيل إذا رأى في هذا القرار مصلحة للبلاد، وأنهم بصدد البحث مع حلفائهم سبل الخروج من الأزمة الراهنة لتسيير البلاد في أحسن الظروف"، في ما يأتي هذا التصريح عقب خطاب الرئيس الأخير الذي جاء ردًا على احتقان الأوضاع في محافظة سليانة الغربية، حيث اعترف بتعثر وتباطؤ الحكومة منتقدًا أداءها الضعيف وعدم فتحها لملفات الفساد، كما حذر المرزوقي من "الهلاك" إذا لم يتم تشكيل حكومة كفاءات مصغرة بعيدة عن منطق المحاصصة الحزبية.
ولئن لقي خطاب الرئيس التونسي، ترحيبًا من قوى المعارضة، التي رأت فيه نقدًا ذاتيًا مشخصًا للأزمة ومقدمًا الحلول الكفيلة بتجاوزها، كما أن الاتحاد العام التونسي للشغل تبنى فكرة الدعوة إلى حكومة كفاءات جديدة ، إلا أن هذا الخطاب قد أثار حفيظة شركائه في الحكم وعلى رأسهم حركة "النهضة"، حيث أكد وزير الصحة التونسي والقيادي في الحركة أن "الحكومة غير متمسكة بأي حقيبة، وأنها مستعدة لمراجعة جميع المناصب من كاتب الدولة وصولاً إلى رئيس الجمهورية، والمسألة ليست مقدسة" حسب قوله.
من جانبه، وصف الناطق باسم الحكومة التونسية، وزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية سمير ديلو، خطاب الرئيس بـ"الخطير"، مشددًا على أنه سيتم الرد عليه ومساءلته في الوقت المناسب، فيما أكدت مصادر خاصة من داخل حركة "النهضة" لـ"العرب اليوم"، أن "تنسيقية الترويكا ستجتمع في بحر هذا الأسبوع لمناقشة ما صرح به المرزوقي، وأن الحركة ليست متمسكة بمراجعة جميع المناصب من دون استثناء، ولا ترى قداسة أو مانعًا من ذلك".
ويرى محللون أنه رغم أن "رئيس الحكومة حمادي الجبالي قد أعرب عن ترحيبه بمبادرة المرزوقي في تشكيل حكومة جديدة بعيدة عن قاعدة المحاصصة الحزبية، إلا أن الكثير من المراقبين رأوا أن موقفه "تصريحًا سياسيًا" ولا يعكس حقيقة موقف حزب "النهضة" من انتقاد المرزوقي المتكرر لها، وأنه قانونًا، فإن الفصل رقم 13 من الدستور المصغر للبلاد المعروف بالقانون المنظم للسلطات العمومية، يخول للمجلس الوطني التأسيسي التونسي سحب الثقة من رئيس الجمهورية، شريطة أن يتقدم ثلثلين من أعضائه بهذا الطلب إلى رئيس البرلمان الذي يدعو للتصويت عليه في جلسة عمومية، وفي حال موافقة الغالبية فإن الرئيس المرزوقي يعفى من مهامه ويتولى رئيس البرلمان مصطفى بن جعفر الرئاسة بصفة موقتة، إلى حين انتخاب رئيس جديد في أجل لا يتجاوز 15 يومًا، حسبما جاء في الفصل العاشر من القانون المنظم للسلط العمومية".
وتجدر الإشارة إلى أن هذه ليست الأولى للمرزوقي التي ينتقد فيها شركاؤه في الحكم علنًا، فقد سبق وأن اتهمها في مؤتمر حزبه بمحاولة السيطرة على مفاصل الدولة، الأمر الذي جعل قياديي "النهضة" ينسحبون باستثناء زعيمها راشد الغنوشي، الذي قال إن "خطاب المرزوقي لا يعكس موقف حزب (المؤتمر من أجل الجمهورية)، في حين رأى محللون أن المرزوقي لم يستطع التخلص من جلباب المعارضة والقبول بمنطق مسؤوليته في الأحداث".
من جهته، واصل الأمين العام لحزب المؤتمر محمد عبو، الذي عوض المرزوقي بعد استلامه مقاليد الرئاسة، هجومه على حركة "النهضة" في الفترة الأخيرة، ملوحًا بالانسحاب من الترويكا بسبب هيمنة الحركة على الائتلاف الحاكم، فيما طالب رئيس حزب "صوت الفلاحين" فيصل التبيني، المجلس التأسيسي بالتدخل لحماية منصب رئيس الجمهورية، معتبرًا تهديدات قياديي "النهضة" بمراجعة منصب الرئيس بـ"الخطيرة التي تحمل نية لتجاوز الشرعية والمساس بمنصب رئاسة الجمهورية، كمنصب رمزي في البلاد، قبل الانتهاء من كتابة الدستور وإجراء الانتخابات المقبلة".
على صعيد آخر، دعا رئيس حركة "نداء تونس" ورئيس الحكومة السابقة الباجي قائد السبسي، حكومة حمادي الجبالي، إلى تقديم استقالتها، وتكوين حكومة كفاءات مصغرة وليس "حكومة تتكون من 60 و70 وزيرًا ومستشارًا"، على حد قوله، مطالبًا بأن تشرف شخصيات وطنية مشهود لها باستقامتها وكفاءتها على وزارات السيادة، مؤكدًا أن "أهم الضمانات لمصداقية الحكومة هو ألا تترشح للانتخابات المقبلة".
كما حث السبسي المجلس الوطني التأسيسي، على "ضرورة العودة إلى مهامه الأساسية والمتمثلة في صياغة الدستور، الذي يجب أن يتم قبل انتهاء شهر كانون الأول/ديسمبر الجاري، مع ضرورة العمل على المصادقة على قانون الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وكذلك القانون الانتخابي بسرعة"، مقترحًا على البرلمان تمديد العمل بموازنة 2012 ربحًا للوقت بدلاً من مناقشة موازنة 2013"، مؤكدًا أن حركة "نداء تونس" وحركة "النهضة"، ليس بإمكانها قيادة تونس بمفردهما، محذرًا من إمكان العودة إلى سياسة الحزب الواحد.
من جهة أخرى، انتقدت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الأميركية للدفاع عن حقوق الإنسان، في تقريرها، "قمع شرطة مكافحة الشغب التونسية للاحتجاجات التي شهدتها محافظة سليانة هذا الأسبوع، داعية إلى إصلاح عاجل لقوات الأمن في تونس، وإلى "توفير الوسائل غير العنيفة والتدريب والتكوين للشرطة"، مضيفة أن "يبدو أن شرطة مكافحة الشغب التي قامت بدور محوري في الجهود الدموية التي بذلت لإخماد الثورة التونسية منذ سنتين، ماتزال تستعمل القوة المفرطة ضد المتظاهرين، وتحتاج الشرطة إلى تعليمات واضحة وتدريب وتجهيزات تجعلها تستخدم العنف فقط عند الضرورة وبشكل متناسب، كما يجب محاسبة أعوان الشرطة كلما تجاوزوا هذا الحد".
وأشار تقرير المنظمة الحقوقية، إلى أن "شرطة مكافحة الشغب أطلقت على المتظاهرين رصاص الرش من أماكن قريبة، ومنها ما كان موجهًا إلى الجزء العلوي من الجسم، خلال اليومين الأولين من الاحتجاجات"، فيما نقلت عن محتجين قولهم إن "الشرطة أطلقت عليهم رصاص الرش من الخلف لما كانوا فارين من دون أن يمثلوا أي خطر عليها"، مشيرة إلى أن "الرش الذي يصنف ضمن الذخيرة غير القاتلة يمكن أن يتسبب في إصابات جسدية خطرة، وبخاصة للعيون"، مطالبة بتشكيل لجنة مستقلة للنظر في تجاوزات أجهزة الأمن في أحداث سليانة بكل حيادية