"غارديان" البريطانية نحو اليسار، وتعتبر نفسها صوت الطبقة الاجتماعية المتوسطة الواعية، كما أن لهجتها على مدى السنوات القليلة الماضية  باتت أكثر تحديًا وقتالاً، فقد شاركت إلى حد كبير جدًا في نشر وثائق "ويكيليكس" مع جوليان أسانغ، وهي الآن تشارك كلاً من غلين غرينوالد وعميل وكالة الأمن القومي الأميركي السابق إدوارد سنودن، الذي قام بتسريب معلومات سرية إلى الكاتب في "غارديان" غلين غرينوالد.
وتعلم الحكومة البريطانية أن "غارديان" صحيفة إخبارية يصعب تهديدها أو إخضاعها للرقابة، إلا أن واقعة الشهرين الماضيين بشأن الوثائق التي سرّبها سنودن تُعَد بمثابة واحدة من محاولات التدخل السياسي الاستثنائية، فقد انقضّ عملاء الحكومة البريطانية على مكاتب صحيفة "غارديان" لمراقبة ثلاثة من التنفيذيين في الصحيفة، وقاموا بتدمير كومبيوتر يحتوي على بعض المعلومات السرية التي قام سنودين باستنساخها من قاعدة معلومات الاستخبارات الأميركية، وأعطاها إلى غيرينوالد وغيره.
ويعلق روزبريدجر على ذلك بقوله في مقابلة أجرتها معه صحيفة "نيويورك تايمز" بعد أن كتب مقالة تناول فيها تصرفات الحكومة البريطانية أن الصحافة في أميركا تنعم بوسائل حماية أقوى من تلك التي تتمتع بها في بريطانيا.
وهدّدته الحكومة البريطانية باللجوء إلى أسلوب منع النشر المسبق، وهو إجراء غير قانوني في أميركا لأنه يُعَد انتهاكًا لحرية الإعلام، وذلك من أجل منعه من نشر معلومات، ثم طلبت منه أن تقوم "غارديان" بإعادة أو تدمير المعلومات والوثائق السرية التي حصلت عليها من سنودن.
ورَدَّ روزبريدجر على الحكومة البريطانية بقوله "إن هناك نسخًا أخرى لهذه الوثائق في مناطق أخرى غير بريطانيا، الأمر الذي يَعني أنه لا جدوى من تدمير نسخة واحدة من تلك النسخ".
وأضاف أنه "ولأننا لدينا نسخ أخرى فلا مانع من تدمير نسخة في لندن".
وعلى الرغم من مطالبة الولايات المتحدة بتسليم سنودن إليها، والذي يقيم الآن في روسيا، إلا أنها لم تتخذ إجراءً لمنع "غارديان" من النشر، ولم تقتحم مكاتب الصحيفة لمصادرة أو تدمير الملفات والأجهزة التي تحتوي على تلك المعلومات، كما حدث في بريطانيا.
ويقول روزبريدجر، الذي يعمل رئيسا لتحرير "غارديان" منذ العام 1995 إنه اضطُرّ إلى نشر تصرّفات الحكومة البريطانية بعد قيام الشرطة البريطانية باعتقال البرازيلي ديفيد مايكل ميراندا (شريك غرينوالد) في مطار هيثرو، الأحد، لمدة تسع ساعات أثناء عودته من برلين إلى ريو دي جانيرو، حيث التقى مساعدة أخرى لسنودين، وهي المخرجة الوثائقية لاورا بويتراس، كما كان يحمل مادّة مشفرة منها إلى غرينوالد في البرازيل، وقامت السلطات البريطانية بمصادرة ما كان معه كافة من أجهزة إلكترونية قبل الإفراج عنه.
ويعتزم ديفيد مايكل وغرينوالد رفع دعوى ضد بريطانيا بشأن اعتقاله، على أساس أنه لم يرتكب أي مخالفة بحمله معلومات عبر مطار هيثرو.
وترد الحكومة البريطانية على ذلك بقولها إنها كانت تبحث عن معلومات مسروقة يمكن أن تقع في أيدي إرهابيين.
وتنكر الحكومة الأميركية أن تكون طلبت من بريطانيا اتخاذ أيّ إجراء ضد ميراندا، فيما يرى رئيس تحرير "غارديان" أن ذلك الاعتقال كان بمثابة ترويع وتهديد وتخويف.
ويقول محامي ميراندا "إن الشرطة البريطانية تستخدم قوانين مكافحة الإرهاب لتجنب القيام بالإجراءات القانونية التي تسعى للحصول على معلومات صحافية سرية، وهذا في حد ذاته يحمل تأثيرًا سيئًا على الصحافيين في أنحاء العالم كافة"، وهناك محامون يعتقدون بأن الاعتقال كان غير قانوني، وأنه انتقاص من الحرية وفقًا لاتفاقية حقوق الإنسان الأوروبية.
ويؤكد رئيس تحرير "غارديان" أنه تلقى اتصالاً من شخصية حكومية بريطانية رفيعة المستوى جدًا زعم أنه ينقل إليه رأي ديفيد كاميرون.
وأضاف أن المسؤولين البريطانيين قالوا في اجتماع مع "غارديان": "كفاية عليكم ما نشرتموه، ولا حاجة لمزيد من الكتابة والنشر بشأن هذا الموضوع"، ثم هددوا باتخاذ إجراء قانوني للحصول على الوثائق، ثم جاء اثنان من خبراء الأمن في الاستخبارات البريطانية، وقاوموا بتدمير بعض الملفات والأجهزة الحاوية لها.
ويصف روزبريدجر ذلك بقوله: إنها لحظة هي أغرب اللحظات في تاريخ "غارديان".
وكانت جهود الحكومة البريطانية بشأن منع نشر وثائق سنودن بدأت في 7 حزيران/ يونيو الماضي، بعد مطالبة وزارة الدفاع الصحف بعدم تغطية تسريبات سنودن عن الأساليب التي كانت تستخدمها أجهزة الاستخبارات البريطانية والأميركية.