الجزائر

أخذ التطوّع في الكثير من مدن الجزائر، شكلا آخر في الفترة الأخيرة، بين حسن النية والفوضى والإبداع، خاصة بعد أن دخلت الجماعات المحلية ومنها البلديات على وجه الخصوص في سبات عميق، يسبق في العادة الانتخابات المحلية، كما أن ما يعانيه حزب التجمع الوطني الديموقراطي الذي تم رفض الكثير من مترشحيه للتشريعيات القادمة، والصراعات الداخلية في حزب الأفلان، وهما الحزبان اللذان يقودان مختلف البلديات في الجزائر، هو الذي جعلها في شبه استقالة غير معلنة أو عطلة مدفوعة الأجر.

في قسنطينة، صار تحرك المصالح البلدية لأجل إصلاح جدار مائل أو غرس شجرة أو سقي مساحة خضراء ميؤوسا منه، خاصة خلال الشهر الفضيل، وهو ما جعل الشباب يقوم ببعض الأمور ويتم تصويرها وتداولها بين الناس على نطاق واسع، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يقف البعض مهللا لهذه الأعمال ومشيدا بها، ويصفها آخرون بغير المجدية مادامت من أياد غير خبيرة في المجال. ففي نصب الأموات “المونيمان” قرب المستشفى الجامعي، يقوم عمي سعيد، وهو شيخ في السبعينيات من العمر، منذ شهر مارس الماضي، بتجهيز بستان يسهر على سقيه وتقليمه.

والغريب، أن هذا النصب التابع للمصالح البلدية لم تغرس فيه شجيرات من المصالح المختصة، أو التفكير في تحويله إلى مكان لراحة العائلات، بالرغم من كون السياح، من داخل ومن خارج الوطن، يزورونه بشكل دائم، حتى في رمضان. ومع مرور الوقت، سيجد مسؤولو البلدية صعوبة في تعديل أو تغيير أو غرس مشروع بيئي، في المكان، الذي حوّله عمي سعيد إلى حديقة مزهرة، هي للنظر، وأحيانا، تتخيلها ملكا لغارسها.

في جسر سيدي مسيد، المعلق الشهير بقنطرة الحبال، حيث لا يوجد أي عون من البلدية لحراسة هذه التحفة النادرة، يقوم الشباب وحتى الشابات بتدوين أسمائهم والمدن التي يأتون منها على أعمدة الجسر، وهو ما جعله يظهر بشكل مشوّه، لا يقدم صورة حضارية للجزائريين. وطبعا، تغيب البلدية كمالك أو مسير للمرفق، فيظهر شاب في الثلاثين ربيعا من أبناء المدينة، يشتري الصبغة الملائمة للون الجسر وأيضا الخاصة بالمعادن والحديد، ويرتدي لباس العمل، ويباشر لمدة يومين كاملين عملية الصباغة، دون أن يجد من يوقفه أو يفهمه بوجود مصالح مختصة في الأمر، بإمكانها حماية الجسر من عمليات التشويه، ويبارك المارة ما قام به الشباب الذي حزّ في نفسه عمليات تشويه أحد أجمل الجسور في العالم، ويلقى الشاب الشكر بأعداد طوفانية من المغردين.

أما عن عمليات التشجير وتحويل الأحياء إلى حدائق وإنجاز العيون ووضع الممهلات وشق حتى الطرق وتبليط الأرصفة، فقد صار الأمر عاديا في غياب كامل للسلطات المحلية، التي تتابع الأمر في صمت، تماما كما تفعل مع بعض المواطنين الذين يستولون على أراض عمومية، ويضمونها إلى ممتلكاتهم، حيث قام شاب بتحويل سطح واحدة من أشهر العمارات في قسنطينة، وهي عمارة بيكاسو، إلى مكان لتربية النحل، وقام آخر بتسييج مكان تابع لعمارات صندوق التوفير التي يقطن فيها في بلدية عين السمارة، وصار يربي الكلاب الهجينة المفترسة من نوع بيت بول ودوبرمان، أمام صمت مطبق للمصالح المختصة.

الجمعيات أيضا انتقلت إلى الفعل، حيث قامت جمعية محبي قسنطينة بعرض صورة لحديقة غنّاء في النمسا، ونشرتها على صفحتها الخاصة، وقالت بأنها مستعدة بإشارة من مصالح الولاية لإنجاز مثيل لها وبسرعة في مدينتها.

قد يهمك ايضاً

إعادة الانتخابات المحلية في إسطنبول تضرب الاقتصاد التركي في مقتل

الأحزاب البريطانية المؤيدة للخروج من "بريكست" تخسر معركة الانتخابات المحلية