الانتخابات التشريعية

قطعت تحضيرات تنظيم الانتخابات التشريعية المقررة يوم 12 جوان القادم، أشواطا كبيرة مع بداية العد التنازلي لهذا الموعد الهام، في ضوء التعليمات التي أسداها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في تصريحاته الأخيرة، لتوفير كافة الظروف الملائمة لضمان انتخابات نزيهة وشفافة، تكون قطيعة مع الماضي، وبلورة رؤية جديدة في الأداء البرلماني الذي لم يكن على العموم، في مستوى تطلعات الشعب.
وحرص رئيس الجمهورية خلال لقائه الأخير ببعض ممثلي وسائل الإعلام الوطنية، على التذكير بالأهمية التي يحظى بها هذا الحدث الهام الذي يدخل في إطار الورشات الإصلاحية السياسية التي بدأها بالاستفتاء على الدستور؛ من خلال استحداث سلوكات جديدة في العمل الانتخابي، خصوصا بعد الشكاوى المتكررة للأحزاب بسبب التزوير. وإذا كان الرئيس تبون أكد في العديد من المناسبات، على رهان أخلقة الحياة السياسية، فقد وضع ضمن أولوياته استعادة ثقة الشعب بمؤسسات دولته، وعلى رأسها الهيئة التشريعية التي يُفترض أن تكون ناطقا باسمه، وناقلا لانشغالاته.
وأكد، لأجل ذلك، على ضرورة أن يكون الاستحقاق القادم نزيها وشفافا، مشيرا إلى أن عهد الكوطات "انتهى"، في الوقت الذي حرص على بناء "دولة جديدة، أساسها خيارات الشعب، يكون فيها كل الجزائريين سواسية". وكانت رسائل القاضي الأول في البلاد، واضحة بهذا الخصوص، عندما شدد في عدة مناسبات، على محاربة المال الفاسد وغير الفاسد في العملية السياسية، ومن ثم قطع الطريق أمام "برلمان الشكارة"، الذي شوّه هذه المؤسسة التشريعية، التي تحولت إلى جسر لإبرام الصفقات بين رجال الأعمال.
وأكثر من ذلك، يحرص الرئيس تبون على استرجاع البرلمان هيبته التي شوهتها الممارسات المشبوهة لبعض الأحزاب، التي استغلت تموقعها في الساحة الوطنية من أجل الدوس على أخلاق الممارسة السياسية. وتجلى ذلك من خلال تأكيده أنه لن يكون هناك برلمان على المقاس في سياق تفضيله النوعية على حساب الكمية، فرغم التقسيم الإداري الجديد الذي أفضى إلى الرفع من عدد الولايات، إلا أنه تم، في المقابل، تقليص عدد المقاعد النيابية من 462 إلى 407. ويسعى الرئيس تبون لتكريس تمثيل حقيقي للساحة السياسية بالبلاد؛ من خلال جعل تشكيلة المجلس "على المقاس السياسي"، نافيا، في الوقت ذاته، أن تكون له نية التدخل في هذا الأمر، وإلا كان اختار حزبا معينا.
كما وضع رئيس الجمهورية الأحزاب السياسية في كفة واحدة خلال استقبالاته لها في إطار المشاورات التي أجراها معها؛ تحضيرا للاستحقاق القادم، بل إن بداية تلك اللقاءات شملت، بالخصوص، الأحزاب حديثة النشأة، من أجل منح الفرصة للشباب، الذين دعاهم للانخراط في العملية السياسية لضخ دماء جديدة في مختلف هيئات الدولة، في حين لم يتردد في طمأنة المتخوفين من هذا الموعد، بأنه "لا يميل لأي طرف كان".
خلق التوازن بين المجتمعين المدني والسياسي
وقد أكد بهذا الخصوص، أن المشاورات التي يجريها مع الشخصيات الوطنية ومسؤولي الأحزاب والمنظمات، كانت مع أشخاص يعرفهم ويعرف أفكارهم بدون أخذ بعين الاعتبار، مدى قوة التشكيلات السياسية؛ بهدف "مشاركة الجميع في بناء جزائر جديدة"، موازاة مع إعطاء أهمية للمجتمع المدني، الذي ستكون مهمته خلق التوازن مع المجتمع السياسي.
وبلا شك، فإن بروز معطى المجتمع المدني الذي سيدخل الانتخابات بقوائم مفتوحة، سيقلب موازين العملية السياسية، مما يجعل التنبؤ بما ستفرزه الانتخابات القادمة، أمرا صعبا بعد أن عودتنا الأحزاب التقليدية على النتائج المحسومة رغم تمتعها إلى غاية اليوم، بوعاء انتخابي معتبر، مما يفتح المجال أمام احتمالين؛ إما أن توافق الأغلبية على البرنامج الرئاسي، ومن ثم تعيين وزير أول، أو أغلبية من المعارضة ترشح رئيسا لحكومتها. ومن هنا يمكن القول بأننا سنشهد أول برلمان بنظام القائمة المفتوحة منذ إقرار التعددية السياسية في بداية التسعينيات، مما يجعلنا نراهن على بروز تشكيلة نوعية، في ظل التأكيد على ضرورة بروز جمعيات فاعلة ليست تنافسية ولا معارضة.
وستجد السلطة المستقلة للانتخابات نفسها من الناحية التقنية، أمام تجربة جديدة بعد الاستفتاء على الدستور، وفق قانون الانتخابات الجديد، وذلك بتمديد فترة عمليات الفرز، وعدد الأصوات لإضفاء الدقة والشفافية على العملية الانتخابية خلافا للتجارب السابقة، التي كانت محددة بأوقات معيّنة، وبذلك ستكون هناك إمكانية تأخير إعلان النتائج النهائية.
وما يميّز العملية الانتخابية القادمة أنها ستجرى خلافا لما كان مألوفا في السابق؛ يوم السبت بدل يوم الخميس، وهو ما تم مع استفتاء تعديل الدستور الذي نُظم يوم الأحد، في سياق كسر روتين المواعيد السياسية المحددة. ومن المؤكد أن الانتخابات النيابية القادمة ستكون خطوة نحو رسم معالم خارطة سياسية جديدة، سيتم، بموجبها، تحديد التوجه لمواصلة مشروع التغيير الذي ينادي به الرئيس تبون؛ فإلى جانب أن التشكيلة التي سيفرزها البرلمان القادم ستمكننا من جس نبض الحكومة القادمة، فإن الهيئة النيابية الجديدة ستكون أمام امتحان مواصلة الإصلاحات، وبناء الجزائر الجديدة؛ فهل ستكون في مستوى التحديات التي ستوكل لها؟

قد يهمك ايضاً

"بحبوح" عزوف الشباب عن السياسة خطير ويجب استرجاع ثقتهم

"فتح" تؤكد خوض الانتخابات التشريعية المقبلة بقائمة واحدة