عرضين مسرحيين في المغرب

قدَّمَت مجموعة "سويت 42" لمسرح هايمات هافن نويكولن من برلين والفرقة المغربية "فرجة للجميع"، بدعوة من الفرقة المسرحية "داباتياتر" المغربية، عرضين مسرحيين: "حادة" و"حسن الكليشي". "حادّة" هي امرأة مغربية جميلة من جذور أمازيغية من قرية صغيرة في الأطلس المتوسط لا تعرف القراءة والكتابة. "حادة" وتعني نهاية أو حدود، تُعبِّر عن أصوات متعددة، وعن تناقضات مجتمعية، فهي تتحول أحيانًا إلى مجرد وعاء للتفريغ الجنسي، وهي طفلة تتعرض لحادث اغتصاب، ينتج عنه حمل ثم إجهاض ثم تُطرد من حضن العائلة خوفًا من "العار"، وبعد رحيلها إلى الدار البيضاء (الميتروبول) تشتغل كعاهرة، ثم ترتبط بأربعة رجال وتتزوج رجل دين، قبل أن تتحول نهاية الأمر إلى "كاميكاز". "أجبني! أنا أغادر الآن عالمهم، عالمكم، كنت دائمًا أتخيل كيف تجلس أنت هناك في الأعلى كما لوكنت جالسا على تسوكارفاته (حلوى من خيوط السكر). أعرف أن لقاءك جميل دائمًا، لا توجد عندك حدود ولا نهاية. أنا آتية!" إنه قول "حادة" في حوار من مشهد في بداية العرض المسرحي، فهي تأخد وعاءً فيه ماء وتشرع في طقوس الوضوء، ثم تجلس القرفصاء وتبدأ في إخراج قطع معدنية دائرية صغيرة من بين فخديها، ويتم تحريك "رأس العنزة" في إشارة إلى من اغتصب "حادة" سابقًا بواسطة قنينة، وُيسمع صوت جرس المنبه الذي لا يتوقف أو يتم توقيفه أحيانًا، غير أنه ليس مُنبهًا في الحقيقة بل عبارة عن قنبلة.
تنظر "حادة" بعينيها السوداوين مترددة إلى الأعلى، تلعن وتصرخ بالقول" الآن عليك أن تجيبني"، وتنطلق في رقصات وحركات سحرية توحي أنها تحولت إلى عاهرة، ورغم ضعف إيمانها فقد قررت أن تحمل حقيبة مفخخة وتستقل حافلة ركاب، إنها تعتبر ذلك جواز سفرها إلى الجنة لملاقاة الرب بسرعة من دون وساطات، وتنطفئ الأضواء وينتهي العرض من دون أن تنفجر القنبلة، وتُخيّم على المكان تساؤلات عريضة للجمهور الذي يغادر القاعة مع انتهاء العرض.
ويُعبّر موضوع "حادة" عن مسار تراجيدي لامرأة بثلاثة شخوص، عن رقص وغناء، وحب وغزل ، وكلام بإيحاءات جنسية، تَشَظٍّ وانشطار، دموع وضحك، بكاء وأحاسيس.
وأضفت إكسسوارات وأصباغ وألوان كثيرًا من الانسياب على تحركات الممثلين يافه آسفدجاه، ألويز راينهارت ونديم جرار والموسيقى لهويدا كولي، فيما الجمهور، وأكثره من الشباب مشدود إلى لوحات العرض الفني المتلاحقة وجماليته.
"حادة" و"حسن الكليشي" هما عرضان للمخرجة الألمانية لوديا تسيمكه، ويشكلان وجهين لعملة واحدة ( صنع في موروكو)، وكاتبهما هو المغربي جواد السنني، مخرج ومدير فني لمجموعة داباتياتر (معناه: المسرح الآن)، وكتبهما بالعامية المغربية وبصيغة مستفزة بشكل قوي.
ويتعرّض نص"حسن الكليشي" لمجموعة من الأحداث خلال سبعينات القرن الماضي في المغرب، كما يتناول فيها حياة والدته "يشو" وأخته "يطو" و"صاحبته الافتراضية" في ألمانيا "كورين"، وتمزُّقات حسن بين جروح الاغتصاب والتعذيب والاعتقال، وهناك موازاة في استخدام الألفاظ بدلالات تشير إلى الأعضاء التناسلية للمرأة والرجل وإلى المثليين والعاهرة أو الممارسات الجنسية، وكل ذلك من تقديم المخرج المغربي حمزة بولعيز وفرقة "فرجة للجميع".
غير أن المخرجة الألمانية وفرقتها الفنية بدت متمردة على النص فحولته إلى رقص وغناء وموسيقى، وإلى عمل فني فوق خشبة العرض، أو رسومات وأصباغ وتلوينات ولوحات، فجعلت منه فضاءً داخل الذات وفي المتخيل، وقام بتشخيص الأدوار ناديم جرار، يافه آسفدجاه، ألويز راينهارت وسالومي داستماتشي.
وأشارت المخرجة الألمانية لوديا تسيمكه إلى الدافع من وراء اشتغالها على نصوص درامية للكاتب جواد السنني إلى مضمون وشكل النص، موضحة: "في المضمون أهتم حقيقة بالأشياء التي لا أعرف عنها أي شيء، وأستنتج الجديد من خلالها"، وأوضحت المخرجة الألمانية: " لقد تعرفت من خلال جواد السنني على المغرب، وعلى جزء من تاريخه وتاريخ الاستعمار وعن الأمازيغ، مثل اهتمام الممثلين بذلك".
أما عن الشكل فهي تشير إلى الانشغال بنصوص حكي مسترسلة في ألمانيا وتلاحظ: "نحن لا نشتغل بدراماتورجيا منسجمة فيها بداية وذروة ونهاية ولكن بدراماتورجيا تقفز"، ثم تستطرد قائلة: "هناك مشاهد عدّة مركبة في العرض، وقد يتحول المتفرج أحيانًا إلى كاتب أيضاً، وينتج عن هذا كثير من الأحاسيس والمواقف والمضادات، أي إن هناك أشياء تلتقي كي تنفجر، وهذا ما وجدناه مهمًا جدًا في نصوص جواد، إنها مواقف رائعة أعطتنا مساحات كبيرة من الحرية".
من جهته، يلاحظ جواد السنني ترجمة نصوصه على أرض الواقع أي على خشبة العرض من قِبل الفرقة الألمانية، وأعلنت: "نواة العمل الفني مع لوديا تعود إلى لقاء سابق مع رويال كور تياتر في بريطانيا، خلال إقامة فنية هناك. وقد سبق لها (لوديا) أن اطلعت على نصوص مترجمة إلى الإنكليزية، فكان لقاؤنا وجاءت فكرة العمل معًا".
وعن الجمع بين الكتابة والإخراج وإدارة فرقة فنية أكّد الفنان المغربيّ الذي يهتم بمواضيع الإسلام والجنس والمقدس: "أنا ممارس قبل كل شيء ولست كاتبا كلاسيكيًا، وأنا أكتب للمسرحيين والمهنيين أساسًا، كما أقوم بإخراج عروض للمسرح".
وعن تفاعلها مع العرضين المسرحيين أكّدت نعيمة فايس وهي مواطنة من النمسا: "إنه نوع المسرح الذي أحبه: رقص وحركات جسدية ولوحات وأحاسيس. إنه مسرح إنساني بدرجة أساس".
وأعلنت نعيمة التي تقيم حاليًا في المغرب من أجل تحضير دكتوراه في موضوع "المسرح والتربية": "في مسرحية "حسن الكليشي" كنا حقًا أمام عرض ساخن جدًا"!
أما لطيفة المغربية في العشرينات من العمر، فتلاحظ أن "كيفية تناول الموضوع من الجانب الألماني زاد في إغناء النص المغربي بشكل كبير".
وأوضحت:" لقد كنا أمام عرض اتسم بتلقائية كبيرة في التمثيل، كما استمتعنا بفرجة متميزة." خدمة DW.